في إحدى مقاهي القاهرة الشعبية و التي يلجأ إليها الكثير من الرجال و الشباب المصريين للجلوس هناك هروباً من حرارة بيوتهم المرتفعة و من مشاكلهم المتعددة مثل إرتفاع أسعار تكاليف الحياة و المشاحنات الدائمة بين الأزواج و الزوجات و التي غالباً ما تكون اسبابها مادية أيضا و مشاكل الأبناء و متطالباتهم و البطالة و عدم وجود فرص عمل للشباب فلا يجدوا أمامهم ملاذا سوى المقهى حيث أصبحت البيوت المصرية طارده لسكانها.
يحمل نادل المقهي كوباً من الشاي في يد و شيشه في اليد الأخري و يسير بسرعة فائقة و بمهارة أشبه بلاعبين السيرك دون أن يُسقط أي مما تحمله يداه و يتجه خارج القهوة حيث يجلس أحد الزبائن الدائمين و هو رجل في الخامسة و الأربعين من العمر .. من ملابسه البسيطة تستطيع أن تحدد مستواه الاجتماعي و الطبقة التي ينتمي إليها غالبية الشعب المصري الآن و التي تسمى حالياً محدودي الدخل و التي كانت في الماضى تدعى الطبقة المتوسطة و لكن مع مرور الوقت بدات تتنازل عن موقعها متجه للطبقة التي أسفها لتلتحم بها و يصيروا مزيج موحد يضم غالبية الشعب المصري .. يضع النادل الشاي أمام الرجل قائلاً :
- شايك يا عم إبراهيم و أدي الشيشة كمان .. أي خدمة تاني ؟
- شكراً يا على.
- صحيح يا عم إبراهيم .. هو إبنك سامح لقي شغل و لا لسه؟
- والله لسه كل يوم ينزل يلف و يقدم في أماكن كتير و أدي وش الضيف .. البلد مبقاش فيها شغل.
- طب ماتنزله معاك الورشة بدل القاعدة دي.
- يعني بعد كل السنين اللي قضاها في التعليم دي و الفلوس اللي صرفتها عليه في الأخر يشتغل عامل في ورشة ؟ ما أنا كنت وفرت كل ده و نزلته يشتغل معايا من بدري كان زمانه بقى أسطى كبير و كان زمانه كون نفسه و أتجوز كمان.
- أقولك أيه يا عم إبراهيم البلد بقى حالها صعب قوي .. يلا ربنا معاه.
يهز عم ابراهيم رأسه مؤيداً كلام النادل الذي إنصرف سريعاً إثر سماعه صوت أحد الزبائن يطلبه .. و يبدأ عم إبراهيم في سحب دخان الشيشه مغمضاً عينيه و يحتبس الدخان داخله قليلاً ثم يقوم بطرد الدخان من صدره راجياً أن يخرج هذا الدخان محملاً بهمومه و مشاكله التي ينؤ بها صدره حتى يهدأ و ينسى كل المشكلات التى جاء هنا هرباً منها.
و لكن يبدو أن هذا الرجاء مجرد وهم فما زال عقله مشغول بهمومه و مشكلاته حتى يقطع تفكيره هذا دخول رجل في السبعين من عمره للمقهى كان الرجل طويل القامة و لكنه نحيل الجسد محنى الظهر يسير ببطء و هناك رعشة طفيفة في أطرافه و يرتدي ملابس متناسقة الألوان يجلس على إحدى المقاعد القريبة من مدخل القهوة .. ينظر إليه إبراهيم بتركيز شديد .. حيث يعتقد أنه يعرفه .. يأتي النادل إلي الرجل العجوز يسأله ماذا يريد أن يشرب .. يجيبه العجوز: قهوة مضبوط .. يخبط إبراهيم جبهته قائلاً: المعلم كامل!!!
***
منذ أكثر من خمسة و عشرين عاماً بمصر القديمة حيث عاش ابراهيم شبابه تملائه الحيوية و النشاط و الاقبال على الحياة .. كان ككل الشباب يهتم بملبسه و مظهره يملأ وجهه ابتسامة مميزة .. جلس ابراهيم على مقهي السنارية و قبل أن ينادي النادل وجده أمامه يقدم له كوباً من الشاي قائلاً له :
- المعلم كامل بيمسي عليك
ينظر إبراهيم في الاتجاه الذي أشار إليه النادل ليجد رجل في الاربعين من عمره يجلس مع أصدقائه يلعبون الدومينو ينظر المعلم كامل باتجاه إبراهيم و يحيه بانحنائه طفيفة برأسه فيرفع ابراهيم يديه شاكراً المعلم على الشاي و التحية التي أرسلها له .. يمسك إبراهيم بكوب الشاي سعيداً فرحاً تملائه الثقة بالنفس و إحساسه بأنه أصبح شخص مميز يحاول الأخرون التودد إليه و التعرف به.
تكرر هذا الموقف كثيراً .. كلما جاء إبراهيم للجلوس على هذا المقهي و يتصادف وجود المعلم كامل هناك كان يرسل له تحيات كثيرة و كل مرة كان إبراهيم يزداد فخراً بنفسه .
و ذات يوم جاء إبراهيم مصطحباً مجموعة من أصدقائه للجلوس سوياً على المقهي .. فجاء النادل حاملاً أكواب الشاي فقالوا الشباب بأنهم لم يطلبوا شىء بعد .. فأجابهم النادل بأنها تحية المعلم كامل لإبراهيم فإنتفخ إبراهيم بين زملائه مستعرضاً نفسه بأنه أصبح أهم شخصية بينهم .. فنظر له أحد الأصدقاء ضاحكاً:
- انت وصلت يا حلو؟
- أيوة يا ابني مش أي حد .. الناس كلها بتتقرب ليا علشان يعرفوني.
إزداد ضحك زميله ثم قال:
- انت تعرف المعلم كامل ده؟
- أيوة طبعاً أعرفه.
- تعرف انه خول و بتاع عيال ؟
إنصدم إبراهيم و ارتسمت على وجهه علامات الزهول ثم قال منفعلاً و كانه ينفي التهمة عن نفسه هو:
- لاء طبعا معرفش.
- أديك عرفت يا حلو .. اشرب الشاي بقى.
و ضحكوا جميعاً إلا إبراهيم.
***
في اليوم التالي جاء ابراهيم إلى المقهي متمنياً أن يجد المعلم كامل هناك ليكشف سر إهتمام هذا الرجل به .. و بالفعل جاء المعلم كامل بعد قليل و كالعادة أرسل تحيته لإبراهيم الذي طلب من النادل أن يضع الشاي هناك على منضدة المعلم كامل حيث انتقل إبراهيم للجلوس معه .. فرح المعلم بهذه الخطوة كثيراً و اخذ المعلم يرحب بإبراهيم كثيراً ويسأله عن أحواله و حياته و إبراهيم يجيبه متحفظاً و لكنه لم يجروء على سؤاله عن سبب إهتمامه به أو عن الكلام الذي قاله صديقه عنه .. و لكن المعلم سريعاً أخبره أنه يحبه مثل اخيه الصغير و بهذه المناسبة سوف يدعوه للسينما و الخروج لتناول العشاء سوياً في إحدى المطاعم .. لم يرفض إبراهيم العرض لأنه يريد ان يعرف نهاية هذا الإهتمام .. و بالفعل غادرا الاثنان المقهي .
مرت عدة ساعات و هما معاً ما بين المطعم الذي تناولوا به سوياً العشاء الذي كان كباب و كفته و بين السينما التي شاهدوا به إحدى الأفلام العربية و لم تخلوا هذه الساعات من بعض لمسات المعلم لإبراهيم التي كانت تعبيراً من المعلم عن حبه و إهتمامه به و أنها نوع من الود و القرب بينهم و لكن تلك اللمسات لم تكن كافية لإبراهيم لتكون دليل قاطع على أن هذا الرجل يتحرش به و يريد منه شيئاً جنسياً .
و في طريق العودة بدأ المعلم يلمح له بتجارب سابقة له مع شباب و أن هذا شىء عادي يحدث كثيراً و يفعله كثيرون من الناس محاولاً استدراجه باتجاه بيته حتى وصلوا هناك أمام البيت .. إقترح المعلم أن يصعد إبراهيم معه لنام لديه و في الصباح يعود لبيته .. فهو يعيش بمفرده و ليس هناك أحد معه لانه غير متزوج و سيكونا على راحتهما .. و لكن إبراهيم رفض الصعود متعللاً بأن أباه يقلق عليه و لا يسمح له بالمبيت خارج البيت و إنصرف.
في اليوم التالي جاء إبراهيم مصطحباً خمس من أصدقاءه جلسوا على المقهي مترقبين حضور المعلم كامل و ما أن ظهر على ناصية الشارع الذي تقع به قهوة السناري حتى وقف إبراهيم و أصدقاءه مخاطباً صاحب القهوة طالباً منه عدم التدخل في ما سيحدث لأن هناك تار بين إبراهيم و المعلم كامل .. و كان ما كان .. إنهال إبراهيم و أصدقائه على المعلم ضرباً على وجهه و كل مكان من جسده حتى سقط الرجل أرضاً حيث بدأ الركل و تمزيق ملابسه بعدما سبه إبراهيم و فضحه أمام الناس معلناً أن هذا الرجل كان يريد أن يمارس الجنس معه و لكنه أبى ذلك معلناً أنه ليس خول و ها هو الآن يأخد تاره منه و لما عرف الناس ذلك لم يتدخل أحد ليدافع عنه أو ليحميه من ايدي هؤلاء الشباب و اكمل إبراهيم كلامه للمعلم المهان مهدداً إياه أن لا يأتي للجلوس هنا مرة آخرى و إلا سوف ينال مثل ما ناله اليوم .. قام الرجل من على الأرض يلملم أشلاء كرامته المهدرة على أيدي من في مثل عمر أولاده منكس الوجه و لم يظهر مرة ثانية على مقهى السناري و لم يقابله إبراهيم بعدها.
***
قام إبراهيم صاحب الخمس و أربعون عاماً متجاً نحو المعلم كامل صاحب السبعون عاماً و جلس بالكرسي الذي بجواره و مد يده له قائلاً:
- أهلا يا معلم كامل.
سلم عليه المعلم كامل ناظراً لوجه إبراهيم محاولاً التعرف عليه و لكن دون جدوى حيث قال له:
- أهلا يا إبني .. لا مؤاخذة .. مش فاكرك .. انت مين ؟
- أنا إبراهيم.
- إبراهيم مين ؟
- إبراهيم بتاع قهوة السنارية اللي كنت بتقعد عليها من خمسة و عشرين سنة.
- أيوة أيوة افتكرتك.
- أنت عامل أيه ؟
- الحمد لله يا ابني.
- تشرب شاي ؟
لم يسمح إبراهيم للعجوز بالاجابة حيث نادي على النادل سريعاً و قال له:
- شاي لعمك الحاج بسرعة.
ثم إلتفت له سائلاً:
- و انت فين أرضيك يا عم الحاج ؟
- أنا زي ما أنا في نفس البيت.
- متجوزتش يا عم الحاج ؟
- اللي زي يا ابني مالوش جواز.
- يعني انتى زي ما انت ؟
سكت العجوز قليلاً ثم قال :
- تقدر يا ابني تنام مع واحد راجل؟
- لا مقدرش يا عم الحاج.
- أنا كمان يا ابني مقدرش أنام مع واحدة حتى لو كانت ملكة جمال العالم .. دي حاجة مش بإدينا يا إبني .
- انت عايش لوحدك ؟
- أيوة.
- طيب مين بيخدمك ؟
- أنا بخدم نفسي و فيه ست غلبانة بتيجي تساعدني في تنظيف الشقة كل فين و فين .
سكت ابراهيم قليلاً تملاءه الشفقة على هذا الرجل قائلاً له:
- انتوا حياتكوا صعبة قوي يا عم الحاج .
لم يجيب الرجل بشىء سوى دمعتان فرتا من عيناه في صمت سارتا في إحدى الخطوط التي رسمها الزمن في وجهه العجوز .. أكمل ابراهيم كلامه:
- ممكن ابقى ازورك أطمن عليك كل فترة ؟
- طبعاً تشرف يا ابني.
- يا ريت تسامحنى ع اللي عملته فيك زمان.
- مسامحك يا ابني.
يحمل نادل المقهي كوباً من الشاي في يد و شيشه في اليد الأخري و يسير بسرعة فائقة و بمهارة أشبه بلاعبين السيرك دون أن يُسقط أي مما تحمله يداه و يتجه خارج القهوة حيث يجلس أحد الزبائن الدائمين و هو رجل في الخامسة و الأربعين من العمر .. من ملابسه البسيطة تستطيع أن تحدد مستواه الاجتماعي و الطبقة التي ينتمي إليها غالبية الشعب المصري الآن و التي تسمى حالياً محدودي الدخل و التي كانت في الماضى تدعى الطبقة المتوسطة و لكن مع مرور الوقت بدات تتنازل عن موقعها متجه للطبقة التي أسفها لتلتحم بها و يصيروا مزيج موحد يضم غالبية الشعب المصري .. يضع النادل الشاي أمام الرجل قائلاً :
- شايك يا عم إبراهيم و أدي الشيشة كمان .. أي خدمة تاني ؟
- شكراً يا على.
- صحيح يا عم إبراهيم .. هو إبنك سامح لقي شغل و لا لسه؟
- والله لسه كل يوم ينزل يلف و يقدم في أماكن كتير و أدي وش الضيف .. البلد مبقاش فيها شغل.
- طب ماتنزله معاك الورشة بدل القاعدة دي.
- يعني بعد كل السنين اللي قضاها في التعليم دي و الفلوس اللي صرفتها عليه في الأخر يشتغل عامل في ورشة ؟ ما أنا كنت وفرت كل ده و نزلته يشتغل معايا من بدري كان زمانه بقى أسطى كبير و كان زمانه كون نفسه و أتجوز كمان.
- أقولك أيه يا عم إبراهيم البلد بقى حالها صعب قوي .. يلا ربنا معاه.
يهز عم ابراهيم رأسه مؤيداً كلام النادل الذي إنصرف سريعاً إثر سماعه صوت أحد الزبائن يطلبه .. و يبدأ عم إبراهيم في سحب دخان الشيشه مغمضاً عينيه و يحتبس الدخان داخله قليلاً ثم يقوم بطرد الدخان من صدره راجياً أن يخرج هذا الدخان محملاً بهمومه و مشاكله التي ينؤ بها صدره حتى يهدأ و ينسى كل المشكلات التى جاء هنا هرباً منها.
و لكن يبدو أن هذا الرجاء مجرد وهم فما زال عقله مشغول بهمومه و مشكلاته حتى يقطع تفكيره هذا دخول رجل في السبعين من عمره للمقهى كان الرجل طويل القامة و لكنه نحيل الجسد محنى الظهر يسير ببطء و هناك رعشة طفيفة في أطرافه و يرتدي ملابس متناسقة الألوان يجلس على إحدى المقاعد القريبة من مدخل القهوة .. ينظر إليه إبراهيم بتركيز شديد .. حيث يعتقد أنه يعرفه .. يأتي النادل إلي الرجل العجوز يسأله ماذا يريد أن يشرب .. يجيبه العجوز: قهوة مضبوط .. يخبط إبراهيم جبهته قائلاً: المعلم كامل!!!
***
منذ أكثر من خمسة و عشرين عاماً بمصر القديمة حيث عاش ابراهيم شبابه تملائه الحيوية و النشاط و الاقبال على الحياة .. كان ككل الشباب يهتم بملبسه و مظهره يملأ وجهه ابتسامة مميزة .. جلس ابراهيم على مقهي السنارية و قبل أن ينادي النادل وجده أمامه يقدم له كوباً من الشاي قائلاً له :
- المعلم كامل بيمسي عليك
ينظر إبراهيم في الاتجاه الذي أشار إليه النادل ليجد رجل في الاربعين من عمره يجلس مع أصدقائه يلعبون الدومينو ينظر المعلم كامل باتجاه إبراهيم و يحيه بانحنائه طفيفة برأسه فيرفع ابراهيم يديه شاكراً المعلم على الشاي و التحية التي أرسلها له .. يمسك إبراهيم بكوب الشاي سعيداً فرحاً تملائه الثقة بالنفس و إحساسه بأنه أصبح شخص مميز يحاول الأخرون التودد إليه و التعرف به.
تكرر هذا الموقف كثيراً .. كلما جاء إبراهيم للجلوس على هذا المقهي و يتصادف وجود المعلم كامل هناك كان يرسل له تحيات كثيرة و كل مرة كان إبراهيم يزداد فخراً بنفسه .
و ذات يوم جاء إبراهيم مصطحباً مجموعة من أصدقائه للجلوس سوياً على المقهي .. فجاء النادل حاملاً أكواب الشاي فقالوا الشباب بأنهم لم يطلبوا شىء بعد .. فأجابهم النادل بأنها تحية المعلم كامل لإبراهيم فإنتفخ إبراهيم بين زملائه مستعرضاً نفسه بأنه أصبح أهم شخصية بينهم .. فنظر له أحد الأصدقاء ضاحكاً:
- انت وصلت يا حلو؟
- أيوة يا ابني مش أي حد .. الناس كلها بتتقرب ليا علشان يعرفوني.
إزداد ضحك زميله ثم قال:
- انت تعرف المعلم كامل ده؟
- أيوة طبعاً أعرفه.
- تعرف انه خول و بتاع عيال ؟
إنصدم إبراهيم و ارتسمت على وجهه علامات الزهول ثم قال منفعلاً و كانه ينفي التهمة عن نفسه هو:
- لاء طبعا معرفش.
- أديك عرفت يا حلو .. اشرب الشاي بقى.
و ضحكوا جميعاً إلا إبراهيم.
***
في اليوم التالي جاء ابراهيم إلى المقهي متمنياً أن يجد المعلم كامل هناك ليكشف سر إهتمام هذا الرجل به .. و بالفعل جاء المعلم كامل بعد قليل و كالعادة أرسل تحيته لإبراهيم الذي طلب من النادل أن يضع الشاي هناك على منضدة المعلم كامل حيث انتقل إبراهيم للجلوس معه .. فرح المعلم بهذه الخطوة كثيراً و اخذ المعلم يرحب بإبراهيم كثيراً ويسأله عن أحواله و حياته و إبراهيم يجيبه متحفظاً و لكنه لم يجروء على سؤاله عن سبب إهتمامه به أو عن الكلام الذي قاله صديقه عنه .. و لكن المعلم سريعاً أخبره أنه يحبه مثل اخيه الصغير و بهذه المناسبة سوف يدعوه للسينما و الخروج لتناول العشاء سوياً في إحدى المطاعم .. لم يرفض إبراهيم العرض لأنه يريد ان يعرف نهاية هذا الإهتمام .. و بالفعل غادرا الاثنان المقهي .
مرت عدة ساعات و هما معاً ما بين المطعم الذي تناولوا به سوياً العشاء الذي كان كباب و كفته و بين السينما التي شاهدوا به إحدى الأفلام العربية و لم تخلوا هذه الساعات من بعض لمسات المعلم لإبراهيم التي كانت تعبيراً من المعلم عن حبه و إهتمامه به و أنها نوع من الود و القرب بينهم و لكن تلك اللمسات لم تكن كافية لإبراهيم لتكون دليل قاطع على أن هذا الرجل يتحرش به و يريد منه شيئاً جنسياً .
و في طريق العودة بدأ المعلم يلمح له بتجارب سابقة له مع شباب و أن هذا شىء عادي يحدث كثيراً و يفعله كثيرون من الناس محاولاً استدراجه باتجاه بيته حتى وصلوا هناك أمام البيت .. إقترح المعلم أن يصعد إبراهيم معه لنام لديه و في الصباح يعود لبيته .. فهو يعيش بمفرده و ليس هناك أحد معه لانه غير متزوج و سيكونا على راحتهما .. و لكن إبراهيم رفض الصعود متعللاً بأن أباه يقلق عليه و لا يسمح له بالمبيت خارج البيت و إنصرف.
في اليوم التالي جاء إبراهيم مصطحباً خمس من أصدقاءه جلسوا على المقهي مترقبين حضور المعلم كامل و ما أن ظهر على ناصية الشارع الذي تقع به قهوة السناري حتى وقف إبراهيم و أصدقاءه مخاطباً صاحب القهوة طالباً منه عدم التدخل في ما سيحدث لأن هناك تار بين إبراهيم و المعلم كامل .. و كان ما كان .. إنهال إبراهيم و أصدقائه على المعلم ضرباً على وجهه و كل مكان من جسده حتى سقط الرجل أرضاً حيث بدأ الركل و تمزيق ملابسه بعدما سبه إبراهيم و فضحه أمام الناس معلناً أن هذا الرجل كان يريد أن يمارس الجنس معه و لكنه أبى ذلك معلناً أنه ليس خول و ها هو الآن يأخد تاره منه و لما عرف الناس ذلك لم يتدخل أحد ليدافع عنه أو ليحميه من ايدي هؤلاء الشباب و اكمل إبراهيم كلامه للمعلم المهان مهدداً إياه أن لا يأتي للجلوس هنا مرة آخرى و إلا سوف ينال مثل ما ناله اليوم .. قام الرجل من على الأرض يلملم أشلاء كرامته المهدرة على أيدي من في مثل عمر أولاده منكس الوجه و لم يظهر مرة ثانية على مقهى السناري و لم يقابله إبراهيم بعدها.
***
قام إبراهيم صاحب الخمس و أربعون عاماً متجاً نحو المعلم كامل صاحب السبعون عاماً و جلس بالكرسي الذي بجواره و مد يده له قائلاً:
- أهلا يا معلم كامل.
سلم عليه المعلم كامل ناظراً لوجه إبراهيم محاولاً التعرف عليه و لكن دون جدوى حيث قال له:
- أهلا يا إبني .. لا مؤاخذة .. مش فاكرك .. انت مين ؟
- أنا إبراهيم.
- إبراهيم مين ؟
- إبراهيم بتاع قهوة السنارية اللي كنت بتقعد عليها من خمسة و عشرين سنة.
- أيوة أيوة افتكرتك.
- أنت عامل أيه ؟
- الحمد لله يا ابني.
- تشرب شاي ؟
لم يسمح إبراهيم للعجوز بالاجابة حيث نادي على النادل سريعاً و قال له:
- شاي لعمك الحاج بسرعة.
ثم إلتفت له سائلاً:
- و انت فين أرضيك يا عم الحاج ؟
- أنا زي ما أنا في نفس البيت.
- متجوزتش يا عم الحاج ؟
- اللي زي يا ابني مالوش جواز.
- يعني انتى زي ما انت ؟
سكت العجوز قليلاً ثم قال :
- تقدر يا ابني تنام مع واحد راجل؟
- لا مقدرش يا عم الحاج.
- أنا كمان يا ابني مقدرش أنام مع واحدة حتى لو كانت ملكة جمال العالم .. دي حاجة مش بإدينا يا إبني .
- انت عايش لوحدك ؟
- أيوة.
- طيب مين بيخدمك ؟
- أنا بخدم نفسي و فيه ست غلبانة بتيجي تساعدني في تنظيف الشقة كل فين و فين .
سكت ابراهيم قليلاً تملاءه الشفقة على هذا الرجل قائلاً له:
- انتوا حياتكوا صعبة قوي يا عم الحاج .
لم يجيب الرجل بشىء سوى دمعتان فرتا من عيناه في صمت سارتا في إحدى الخطوط التي رسمها الزمن في وجهه العجوز .. أكمل ابراهيم كلامه:
- ممكن ابقى ازورك أطمن عليك كل فترة ؟
- طبعاً تشرف يا ابني.
- يا ريت تسامحنى ع اللي عملته فيك زمان.
- مسامحك يا ابني.