27 February 2009

15 February 2009

الدائرة .. قصة قصيرة


يجلس على مكتبه منهمكاً في عمله كعادته .. وحيداً كالعادة حيث يفضل الابتعاد عن الأخرين .. علاقاته بهم سطيحة لا تتطور لأمور شخصية .. فهو لا يحب أن يتدخل في حياة الأخرين و لا يحب ان يتدخل الأخرين في حياته .. تدخل عليه و تحيه قائلة بصوتها الغليظ :

- ممكن أقعد معاك شوية ؟
- اه طبعا .. ثواني اجيبلك كرسي
- لا لا خليك .. أنا هجيبه بنفسي

تجلس أمامه .. يتبادلان الإبتسامات دون كلام .. تملأ الدهشة عقله .. فهم ليسوا بأصدقاء .. فقط السلام هو الشىء الوحيد الذي يدور بينهم دائماً .. كذلك اندهش من رد فعلها بخصوص المقعد و انها رفضت ان يحضره لها و اصرت هي على القيام بذلك .. سحبت احدى المقاعد البعيدة و اقتربت من مكتبه و جلست أمامه ثم بدأت هي الكلام قائلة :

- مكتبك حلوة فعلاً
- شكراً هو صغير صحيح بس انا فعلا بستريح فيه .. كمان بعيد عن الناس ، يعني مش بحب الدوشة و كده.
- تمام .. قولي عملت ايه امبارح في الفالانتين ؟
- ولا حاجة .. خرجت شوية مع واحد صحبي و خلاص .. انتي عملتي ايه ؟
- مفيش كان يوم عادي جداً .. انا و خطيبي خرجنا اليوم اللي قابله و قعدنا في كافتريا.
- كويس قوي
- احنا مالناش في موضوع الرومانسية قوي و الكلام ده
- غريبة !!
- لاء بجد صدقني .. احنا بنحب بعض جداً و على فكرة احنا أصحاب قبل ما نكون أحباب .. و لا يمكن اني ابعد عنه بأي شكل من الأشكال حتى لو موضوع ارتباطنا مش اكتمل و متجوزناش .. هيفضل في حياتي و مش ممكن نبعد عن بعض و هيفضل حد مهم في حياتي.

ينظر إليها بدهشة .. يرى كلامها غريب و مختلف .. ربما لأنها بنت .. يرد عليها قائلاً : ده شىء كويس و جميل

تصمت هي قليلاً ثم تكمل : تعرف ان أي ارتباط مش لازم يكون قايم على الحب .. حتى في القرآن ربنا قال (( و خلقنا لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها )) مقالش أحباباً .. يعني الحب و الرومانسية و الأفلام دي مش الأساس .. صدقني لو العلاقة قايمة ع الحب بس هتلقيهم بعد اسبوع واحد من الجواز بيتخنقوا مع بعض.

ينصت إليها بدون تعليق .. و لكنه ينظر إليها بفضول و اهتمام لسماع المزيد و تكمل قائلة :

- تعرف ان فيه ناس كتير جداً حاولوا و بيحاولوا يوقعوا بيني و بين خطيبي .. يمكن غيرة أو حسد .. لأننا مع بعض من سنين و متفاهمين جداً .. صحيح بينا خلافات و مشاكل و كل حاجة .. بس انا و هو في دايرة واحدة .. مشاكلنا بتبقى بينا و بس .. لو حتى هنموت بعض .. مش مهم .. المهم مفيش حد يتدخل بينا .. و لو حد فكر انه يتدخل أكله بسناني و أقله مالكش دعوة .. حتى لو كانوا أقرب الناس .. حتى لو كانوا أهلنا .

ازداد انصاته لها .. يتطابق كلامها مع حالة يعيشها هو .. يحاول الهروب بعينيه منها حتى يخفي ذلك اللمعان الذي ظهر في عينيه نتيجة لدموع كتمها داخله بكل الطرق محاولاً منعها من الخروج أمامها و قال:

- تعرفي ان كلامك ده فكرني بكلام واحد صحبي.

- بص مش هقولك اني بحب خطيبي علشان هيتجوزني و يبقى جوزي و كده .. لا لا خالص .. انا بحبه لانه أبويا و أخويا و ابني و أنا و زي ما قلتلك حتى لو لا قدر الله موضوعنا مكملش عمري ما هبعد عنه.

لم يعلق على كلماتها بشيء .. فقد امتلأ عقله بالأفكار و الذكريات .. فنهضت واقفة مبتسمة قائلة :

- طيب مش عاوز حاجة و أنا أسفة اني ضايقتك.
- لا لا بالعكس .. أنا متشكر ليكي .

انصرفت تاركة اياه حائراً .. تساؤلات كثيرة تدور بعقله .. لما جاءت إليه .. لما دار هذا الكلام بينهم .. لما قصت عليه تفاصيل علاقتها بخطيبها .. انهم ليسوا بأصدقاء .. هل ما حدث هو رسالة مقصودة و أن القدر أرسلها إليه لتعطيه درساً في الحياة ؟؟

لم يستمر في حيرته طويلاً .. اخرج هاتفه المحمول و كتب إليه رسالة قصيرة بأنه أدرك الخطأ .