27 September 2008

مقاعد .. قصص قصيرة


يجلس وحيداً فوق أحد مقاعد الانتظار الموجودة في احدى العيادات منتظراً دوره للدخول إلى حجرة الطبيب المعالج ممسكاً بكتاب أحضره معه ليقرأ به حتى لا يشعر بالملل من الانتظار ، في الجهة الأخرى المقابلة له يجلس شاب في العشرين من عمره وحيداً .. يبدو الشاب جذاباً شديد الاعتناء بمظهره يجلس منتصب القامة .. ينظر للشاب متأملأً لكن العيون لا تتلاقى حيث لا ينظر الشاب تجاهه مطلقاً .. يعود مرة أخرى لكتابه و يكمل القراءة .. دقائق قلية تمر و تأتي سيدة في الخمسين من عمرها و تجلس في الكرسي المجاور للشاب .. ينظر إليها الشاب ثم ينحني بجسده على ركبتيه واضعاً وجهه بين كفيه ثم ينفخ هواء الزفير بقوة دلالة على ضيقه .. يتابع كريم الموقف الذي لم يفهمه .. يرفع الشاب قامته مرة ثانية ملتفتاً نحو السيدة الجالسة بجواره قائلاً :

- ماما انتي ايه اللي جابك هنا ؟
- انت مش قلتلي انك مش عاوزني اجي معاك ؟ اديني جيت لوحدي
- ماما قومي روحي .. أنا مش صغير علشان تيجي معايا
- و لا أنا صغيرة علشان اسمع كلامك

يعود الشاب مرة ثانية للوضع السابق و تظهر علامات الضيق على وجهه أكثر .. يحاول الشاب مرات متكررة في اقناع السيدة بالانصراف دون جدوى .. ينظر الشاب نحوه للمرة الأولي .. يتظاهر هو سريعاً بأنه يقرأ في كتابه و انه لا يتابع الموقف حتى لا يزيد من ارتباك الشاب و ضيقه .

** 2 **

يجلس على أحد مقاعد الانتظار الموجودة فوق أحد الأرصفة في محطة السكة الحديد .. و بجواره يجلس شاب قابله اليوم للمرة الأولي .. الشاب مضطرب جداً و يضرب بيده فوق المقعد الجالس عليه في حركة لا ارادية تعبيراً عن ضيقه بعدما قابل صديق له هنا في تلك المدينة التي لا يعيش بها و انما جائها لمقابلته .. ينظر إلي الشاب بإستغراب و شفقة وعدم فهم للسبب الذي يدفعه لكل هذا القلق الذي يجتاحه .. يحاول الشاب ان يبث الطمئنينة في نفسه وانه ليس هناك ضرر مما حدث .. يحاول ان يربت فوق كتف الشاب لطمئنته و لكن دون جدوى .. ينتفض الشاب في قلق مما دفعه للتيقن من ان هذه هي المرة الأخيرة التي سيرى بها هذا الشاب حيث سترتبط مقابلتهم بهذا الموقف المؤلم للشاب .. دفع هذا اليقين بعض الدموع العابرة في عينه .. لاحظ الشاب هذا اللمعان الذي سببته تلك الدموع ، حاول الشاب ان يعتذر له عن انه تسبب له في حزنه .. و لكنه ابتسم له ابتسامه حزينه دون أن يوضح له السبب وراء هذه الدموع و تأكده من أن هذا اللقاء سيكون الأخير بينهم و بانه لن يراه مرة ثانية .

** 3 **

يجلس فوق الرصيف حيث لم يكن هناك مقاعد .. منتظراً قدوم السيارة التي سوف يعود بها إلي مدينته و بجواره صديقه الذي يضع زراعه فوق كتفه .. تمني لو ان يحضنه صديقه و يضمه لصدره و لكن الشارع مليىء بالناس .. نظر في عيني صديقه .. أراد أن يرسل له بكل الكلمات و المشاعر التي يحملها داخله في هذا الوقت .. رفع الصديق ذراعه من فوق كتفه و وضع الصديق وجهه في تلك الحقيبة التي كان يحملها في يده .. لم يعرف ماذا حدث لصديقه .. و لما أخفى وجهه .. هل وصلته الرسالة ؟ هل يشعر بالعجز عن تحقيقها الآن لذلك اخفي وجهه عنه و عن الناس ؟ لم يعرف ماذا يفعل .. لكنه وضع ذراعه فوق كتف صديقه و ضغط قليلاً بأنامله على جسد صديقه و ضمه إليه برفق و مسح بيده فوق رأسه محاولاٌ تهدئة صديقه الذي رفع وجهه من الحقيبة ناظراً له مرسلاً إليه رسالات أشد قوة من خلال عينيه .. تمني ان يلقى مصباح علاء الدين ليُخرج منه العفريت و يطلب منه أن ينقله هو و صديقه إلي جزيرة بعيدة عن الناس ليحيا سوياً هناك و يحققا محتوى الرسائل المتبادلة بينهم .

** 4 **

يجلس فوق احد الكراسي المصفوفة في صوان عزاء أحد الجيران .. ينظر نحو الأرض منكساً رأسه .. يستمع لصوت الشيخ و هو يتلوا آيات القرآن الكريم .. يشدو الشيخ بآيات من صورة الشمس .. الجو رائع حيث المساء و نسمات من الهواء البارد .. يفكر في الموت و العبرة منه و تلك الحياة الفانية .. يرفع رأسه عالياً ليستنشق كم أكبر من الهواء المنعش .. يجذب انتباهه ضوء مصباح بعيد في شارع جانبي حيث يسقط الضوء فوق زينة رمضان التي ترفرف بقوة بسبب نسمات الهواء .. يثبت نظره هناك فوق تلك الزينة التي ترفرف .. يتذكر أيام الطفولة و لهفته لصنع تلك الزينة بنفسه هو و أبناء الجيران احتفالأ بقدوم هذا الشهر الكريم .. يشعر بالسعادة و ترتسم ابتسامة فوق شفتيه .. يتذكر انه يجلس في صوان عزاء .. ينكس رأسه ناظراً للأرض مرة أخرى ماسحاً تلك الأبتسامة العابرة عن وجهه.

10 September 2008

أدم و الشجرة المُحرمة


كلنا نعلم تفاصيل قصة سيدنا أدم عليه السلام و شجرة التفاح . لن أعيد تفاصيلها عليكم فهي قصة بدء الخليقة و كل الأديان تناولتها في كتبها السماوية . تلك القصة التي تدون أول معصية ارتكبها البشر ، تلك المعصية التي تسببت في طرد أدم من الجنة إلى الأرض و بدء رحلة البشرية هنا فوق الأرض التي نحيى فوقها الآن .

كثيرون ألقوا اللوم على حواء و انها من دفعت أدم لتناول تلك التفاحة و ارتكاب المعصية الأولى ، و كثيرون ألقوا اللوم على الشيطان الذي وسوس لأدم و حواء حيث أغراهم بفكرة الخلود الذي سيحصلون عليه بعد تناول تلك الثمرة التي ستجعلهم خالدون للأبد .

و لكن كلنا نعرف أن الله كان يعلم - فهو العليم بكل شىء - أن هذا سيحدث و أن أدم سيتناول من تلك الشجرة المحرمة عليه ، فلماذا إذا خلق الله تلك الشجرة هناك في الجنة ؟ ووضعها أمام أدم و حرمها عليه ؟ ألم يكن من الأسهل أن لا يخلقها الله حتى لا يعصيه أدم ؟

سؤال أخر : هل تناول ثمرة تفاح تعتبر جريمة كبيرة بهذا الحجم الذي يستحق عليه أدم أن يُطرد و زوجه من الجنة ؟

سؤال أخر : خلق الله الأرض قبل خلق أدم ، و هيأها له و قد قال الله لملائكته انه قد خلق أدم ليسكن الأرض فقالوا له الملائكة انه سوف يفسد الأرض فقال لهم أنه يعلم ما لا يعلمون .. إذا فقد خلق أدم في الأساس ليسكن في الأرض و ليس في الجنة .. اذا فهل نعتبر أن نزول أدم إلى الأرض عقاباً له على تناول ثمرة التفاح ؟

سؤال أخر : في الأخرة و بعد نهاية العالم و البعث و القيام و الحساب و دخول الجنة ، هل سيكون هناك شجر تفاح في الجنة ؟ و هل سيكون محرم على أهل الجنة أم سيكون متاح لهم بدون عقاب ؟

قرأت في إحدى التفسيرات القرآنية حول قصة سيدنا أدم و شجرة التفاح و قد اعجبني تفسير هذا الشيخ حيث قال : ليست حواء و لا الشيطان كان لهم دخل في حث أدم على تناول ثمرة التفاح ، حيث قدر الله لأدم ذلك . فقد خلق له الله الأرض ليعيش فيها أدم و لكنه أراد ان يلقنه درساً .. درس في قوة الإرادة .. لذلك خلق له الشجرة و ووضعها أمامه و أمره ان لا يتناول منها فذلك يعتبر معصية .. و يظهر ضعف أدم و ضعف إرادته .. و يخطأ أدم و يعصي أمر ربه و يتناول من الشجرة المحرمة عليه .

هل هذا يعني أن الله قد أخطأ في خلق أدم و ان هناك عيب في خلق أدم ؟ بالطبع لا .. تعالي الله عن ذلك .. فقد خلق الله الانسان هكذا و هو يعلم نقاط ضعفه و قوته .. لهذا لا نستطيع ان نلوم أدم على ضعفه و لا على خطيئته و لا نستطيع ان نقول ان هناك خطا او عيب في صناعة الله .

كذلك أراد الله أن يلقن أدم درس أخر من تلك التجربة التي قدرها الله لأدم : و هو انه عندما تخطىء يا أدم لابد أن تتوب و تستغفر الله .. كل ذلك كان ضرورياً لإعدد أدم للنزول إلي الأرض حيث البشر الضعفاء الذين سوف يعصون و يقعون في الأخطاء مرة ثانية و ثالثة .. ليس ذلك عيب فيهم أو في خلقهم و لكن هو امتحان الله لهم .

و في الجنة و بعد نهاية العالم و بعد البعث و القيام و الحساب و دخول الجنة .. اعتقد انه سيكون هناك الكثير من شجر التفاح الغير محرم على سكان الجنة ، المتاح لهم في أي وقت يشتهونه فيه .. ذلك لأن القضية ليست شجرة التفاح و لكنها امتحان الله لإرادة أدم .. و القضية ليست عيب صناعة في أدم و انما خلقنا الله ضعفاء لنرتكب الأخطاء لنعود إليه مرة ثانية نستغفره و نتوب إليه .

كذلك المثلية الجنسية :

كثيرون يقولون اننا اخترنا مثليتنا بأيدنا و أننا من السهل ان نصبح مغاييرين و نعشق الإناث و نشتهيهم .

أقول لهم أن الله خلق داخلنا شجرة المثلية – كشجرة التفاح التي خلقها لأدم – و اننا لم نختار زراعتها داخلنا .. و اننا غير مسئولون عن وجودها داخلنا .. كما كان أدم غير مسئول عن وجود شجرة التفاح في الجنة .. كذلك حرم الله علينا ان نتناول من شجرة المثلية كما حرم على أدم الأكل من شجرة التفاح في الجنة .

نعم لسنا مسئولين عن وجود تلك الشجرة داخلنا .. ربما أيضا نخطىء مثل سيدنا أدم و نتناول من شجرة المثلية .. هل لآم أحد منكم أدم لتناول تفاحته ؟ هل تلوموننا لتناول ثمرة المثلية ؟

نعم خلق الله شجرة المثلية داخلنا ، ربما للإختبار قوة إرادتنا الضعيفة .. ربما يريد منا ان نخطىء و نعود إليه تائبون بعدما نخطىء .. و الله يعلم اننا سنخطىء كما علم ان أدم سوف يخطىء .

يقولون أن الله يخلق كل الناس أسوياء و أنه لا يمكن أن يخلق الإنسان مثلي الجنس .. نعم الله كامل و لا يمكن ان يكون هناك عيب في خلقه .. و لكن هناك فرق كبير بين ان نقول ان هناك عيب في صنع الله و ان نقول أن الله أراد ان يكون هناك عيب في صنعه .. فالله يخلق أطفال أصماء و اطفال عميان و توأم ملتصقه و كثير و كثير من أيات خلق الله .. لا نستطيع ان نقول على تلك الحالات انها عيب في صناعة الله و انما أراد الله ذلك .. هل نستطيع ان نقول ان هذا الطفل اختار هذا الشكل الذي خُلق به .. بالطبع لا .. القضية ان الله أراد هذا و صنعه بهذا الشكل .. ليس عيباً في صناعة الله أو انه غير قادر ان يخلق هذا الطفل بشكل سوي و انما هي مشيئة الله .

فلماذا اذا لا نتخيل أن تكون المثلية من صنع الله ؟ و انها زرعت داخلنا ؟ و حرمت علينا في دنيانا كما حرمت شجرة التفاح على أدم في الجنة .. ليست لأن التفاح شىء سيء او ضار و انما لأنها اختبار الله له .. و ربما سيوجد شجر المثلية في الجنة غير مُحرم و متاح لمن أراده ، كما سيوجد شجر التفاح غير محرم و متاح لمن يريده .


سؤال أخير .. لماذا لم يُقدم أدم على اقتلاع شجرة التفاح المحرمة عليه من الجنة ؟ هذا الإقتلاع الذي قد يحميه من الوقوع في المعصية التي وقع بها و لكي يحمي نفسه من الضعف الذي خلق به .. أليس هذا دليل كبير على إيمان و تقوى أدم ؟ ألم يكن سيرضي الله عنه وقتها ؟

لماذا تطلبون منا أن نقتلع أشجار المثلية من داخلنا هنا ؟ أسيكون هذا دليل على أيماننا و اننا بشر أسوياء و أتقياء ؟

خلاصة القول : لا تلوموننا على شىء لم نزرعه داخلنا .. لا تدفعوننا لكره أنفسنا و اقتلاع تلك الشجرة التي خلقها الله داخلنا .. قائلين اننا بهذا سنكون بشر مثلكم أسوياء و أن الله لن يرضى عنا فقط إلا اذا تخلصنا من تلك الأشجار .. معتقدين ان تلك المحاولات شىء ممكن و لكنه قد يدفع البعض لاقتلاع حياته و قتل نفسه قبل النجاح في اقتلاع شجرة المثلية من داخله .. دعونا نعيش حياتنا تحت أشجارنا بسلام ، ربما نتسلق فروعها مرة ، ربما نتناول من أوراقها مرة ، ربما نضعف و نتناول من ثمارها مرة ، لكننا سنظل دوماً بقرب الله ندعوه و نستغفره و نتمنى منه الرحمة و المغفرة .


05 September 2008

بحبك .. بحبك .. بحبك


بحبك .. بحبك .. بحبك .. بحبك
بحبك .. بحبك .. بحبك .. بحبك

علشان واضح صريح جدا كتاب مفتوح
و وخداني حكاياته حبيب الروح

بحبك .. بحبك .. بحبك .. بحبك
بحبك .. بحبك .. بحبك .. بحبك

معاك بجري بجري
و انا فرحانة من قلبي
يا نور عمري يا أحلامي
يا سيد قلبي .. حبيب قلبي
يا سيد قلبي .. حبيب قلبي
و أكتر من الكلام بكتير

بحبك .. بحبك .. بحبك .. بحبك
بحبك .. بحبك .. بحبك .. بحبك

و انا وياك
بسيب قلبي على راحته
و بيسلم و انا وياك
و أنا وياك
بيلمسني الأمان اصحى
عشان أحلم و أنا شيفاك
و أنا وياك
يا مالك كل شىء فيا
عيونك ضي لياليا
حياتي كلها انت
و روحي فرحها انت
و انا وياك

بحبك .. بحبك .. بحبك .. بحبك
بحبك .. بحبك .. بحبك .. بحبك

و انا على شوق
غريب عني مدوبني
بتوعدني و بستناك
و انا على شوق
بحس بحاجة جيالي
هتسعدني انا في هواك
ألاقي بكرة بيغني
و باقي عمري متهني
عيوني فرحها انت
مشفتش بيها إلا انت
و أنا وياك

بحبك .. بحبك .. بحبك .. بحبك
بحبك .. بحبك .. بحبك .. بحبك

علشان واضح صريح جدا كتاب مفتوح
و وخداني حكاياته حبيب الروح

بحبك .. بحبك .. بحبك .. بحبك
بحبك .. بحبك .. بحبك .. بحبك

*****
غناء .. ليلي غفران

اضغط هنا لتحميل الأغنية


03 September 2008

قاعد مستنيك .. قصة قصيرة

استقل العربة عائداً لبيته .. جلس في المقعد الأخير كالعادة بجوار الشباك .. كان ذلك بعدما خرج مع أحد الأصدقاء لشراء بعد الأشياء لهذا الصديق . يشعر بالضيق و الأختناق من ارتفاع درجة الحرارة فما زالت العربة واقفة لم تتحرك منتظرة امتلاؤها بالركاب .. لم يعبأ بالضجيج المحيط به و لكنه بدأ في اغلاق عينيه و استنشاق أكبر قدر من الهواء الذي بدأ يهب مخترقاً الشباك ومن ثم بدأ في استعادة توازنه و هدوءه نتيجة استنشاق الهواء البارد الذي خفف من درجة الحرارة .

أخذ يتامل البشر من حوله ، من بين الواقفين في ممر العربة كان هناك شاب يرتدي قميص بأكمام به خطوط طولية و بنطلون جينز و كاب ، يتمتع الشاب ببناء جسدي جيد ، لم ينجذب للشاب جسدياً ولكنه فقط كان يتأمله . لم يستمر في تأمله كثيراً حيث اتجه بنظره في اتجاه أخر بعيد عن الشاب و بدأ يتذكر منذ قليل حينما دخل و صديقه احدى محلات الملابس و التي اعجب صديقه بقميص معروض لا يوجد منه في المحل غير تلك القطعة التي يرتديها المانيكان الواقف في مدخل المحل .. قام البائع بتعريه المانيكان و خلع القميص عنه و اعطاه للصديق الذي دخل حجرة البروفة ليجرب القميص .

وقف هو هناك في مواجهة المانيكان النصف عاري .. يتأمل التمثال .. اعجبه دقة تفاصيل جسد هذا المانيكان ، تمنى ان يمد يده ليلمس تلك العظمتين البارزتين اسفل الرقبة و اعلى القفص الصدري ، تمني ان يلمس عضلات صدر هذا التمثال ليس شهوة و انما ليكتشف الفرق بينها و بين اجساد البشر الأحياء .. لكنه لم يفعل .. تذكر تلك القصيدة التي كتبها في الماضي عندما احب شخص ما و لكنه كان يخشي الإعتراف له بالحب لذلك كتب له تلك الكلمات :

" أتمنى ان اصنع لك تمثالاً
لا اخشى منه الرفض
لا أنشد منه إلا الحب .

أتمنى ان اصنع لك تمثالاً
او ان اصبح فارس احلامك
لا اخشى منك الرفض
لا انشد منك إلا الحب . "

تذكر تلك الأبيات و بدأ يفكر .. في الماضي كان يريد التمثال لانه يخشي الواقع و لكنه الآن يتمنى التمثال لانه كره الواقع .. هل حقاً يستطيع ان يعشق تمثال ؟ سؤال راود عقله . و لكن ما المانع ما دام هذا التمثال لن يكذب عليه .. لن يخدعه .. لن يهجره .. لن يرفضه .. ما هذا ؟ هل أصابه الجنون ؟ قاطع تفكيره صوت صديقه الذي خرج من البروفة مرتدياً القميص قائلا له :

- أيه رأيك يا كريم ؟

يصل الهواء محملاً برائحة دخان شيشة التفاح ، يستنشق الهواء البارد المعطر برائحة الشيشة مستمتعاً .. كم يحب تلك الرائحة .. فقط الرائحة لأنه لا يشرب الشيشة و لا أي نوع من الدخان .. تنطلق ذكرى اخرى في عقله .. من يومين حينما ذهب إلي الكافتريا لمقابلة شخص ما تعرف عليه من خلال النت ، كان هذا الشخص يتحدث معه كثيرا على التشات ، و كان يسمعه أحلى كلمات الحب و العشق مثل " انني خلقت فقط لأسعدك .. أنا مستحيل ابعد عنك .. انا اتخلقت علشان اكون جنبك " إلى اخر تلك الكلمات . طلب منه كريم التوقف عن التعبير عن مشاعره تلك حتى يتقابلا في الواقع لانه ليس هناك حب قبل اللقاء في الواقع و لكن الطرف الأخر قال انه لا يهمه شكله و كل ما يهمه تلك الروح التي عشقها .

بعد نهاية اللقاء و عودة كل منهما إلي بيته ثم اللقاء على التشات مرة اخرى قال هذا الشخص له انه لن يستطيع ان يحبه لان كريم مازال يعشق حبيبه السابق و انه هكذا سوف يظلمه معه ، ضحك كريم لهذا الكلام ، و تذكر ان هذا الشخص قال له سابقاً ان ذكريات الماضي لا تضايقه لانها جزء منه .. فهم كريم ان هذا الشخص لم يُعجب بشكله و لكنه كان في حيرة .. ما الذي يدفع انسان ان يقول كلمات حب لا يشعر بها او ان يعطي وعوداً لا يكون قادر على الوفاء بها ، أليس من الأسهل ان يصمت الانسان ان لم يكن هناك مشاعر داخله ، أو أن يكون صريحاً .. لا احد يجبر انسان أخر على اطلاق كلمات حب غير نابعة من القلب .. و لكنه تذكر ان هذا الشخص قال له اثناء حوارهم في الكافتريا انه كان من هواة الجنس الهاتفي .. لهذا لم يستمر كريم كثيراً في حيرته حيث ان كل تلك الكلمات التي قيلت له هي مجرد كلمات .. شىء عادي يقال في كل مكالمة جنسية يجريها هذا الأخر .. عادي .

يدرك كريم جيداً انه ليس من ذوي الأشكال الفاتنة و لا يتمتع بكثير من مظاهر الجمال و لكنه في النهاية انسان يستطيع ان يحب و يتمنى ان يُحب . و أن الجمال الخارجي ليس كل شيء و لا يدوم طويلاً . و يعرف انه يتمتع بالقبول من الأخرين و لديه القدرة على جذب حب الأخرين و يعتقد انها هبة من الله .. أوقات كثيرة يكره كريم شكله و يتمنى أن يكون جميلاً مثل فلان أو فلان و لكن يعود فيقتنع أن كل انسان يحمل داخله مواطن جمال تختلف من انسان لأخر .

ينتبه كريم و ينهض للنزول من العربه حيث محطة نزوله ، يغادر العربة متجهاً نحو بيته يشعر بمشاعر لا يعرف هل هي حزن ، ألم ، يأس ام كل تلك المشاعر معاً .. يصل كريم إلي الشارع الذي يقع به بيته ، من بعيد يرى طفله الصغير يجري نحوه حيث كان يجلس على درجات السلم أمام البيت .. حينما رأى كريم نهض يجري تجاهه ، تلقفه في حضنه و قبله و سأله:

- انت قاعد هنا كده ليه ؟

فقال له الطفل فرحاً :

- كلهم ناموا و أنا قاعد مستنيك .

حضنه كريم مرة ثانية ودخل البيت حاملاً طفله و هو فرحاً شاعراً بالسعادة التي محت كل الهموم و المشاعر الأخرى التي كانت داخله منذ قليل . فما زال هناك من يحبه كما هو .