29 January 2008

المثلية الجنسية و التدين


كلنا نعرف موقف الدين من المثلية و رأيه بها ، من حيث كراهيتها و تحريمها و عقابها الرفع من جرمها إلى أعلى المراتب ، فليس هناك جريمة ترتكب على وجه الأرض يهتز لها عرش الرحمن إلا المثلية ، فلا الزنا و لا الإغتصاب و لا قتل الأخرين و لا التلاعب بأرواح الناس و لا الغش الذي يؤدي الى الموت و لا أي جريمة اخرى يهتز لها عرش الرحمن .

و من الغريب أنه ليس هناك ذنب أو معصية أخرى يلتصق بها باقي معاصي الدنيا غير المثلية ، فمثلا لو كان هناك شاب متدين و لكنه يرتكب معصية كالزنا مثلا ، فسيقول له الأخرين اصبر مثلا او تزوج او صلي بعد ارتكاب المعصية ليغفر لك الله و هكذا . أما اذا كان الذنب انه مثلي فستجد ان هذا الذنب اتصقت به كل ذنوب الأرض من كفر و اشراك بالله و انه من أهل النار و ماذا سيقول لربه عندما يقابله انه ملعون و منبوذ و يهز عرش الرحمن و لن تقبل له صلاة و لا أي عمل خير يفعله لانه مثلي .

و بالطبع فإن وجهة النظر هذه لها مردودها و انعكاسها على كل من المغاييرين ( باقي الناس ) و المثليين أنفسهم :

ستجد المغاييرين يكرهون المثليين و يحتقرونهم أو على الأقل لا يحبونهم او قد لا يتخيلون ان هذا الفعل ممكن الحدوث ، بالطبع فردود الأفعال تختلف من شخص لأخر . لنفترض انك اخبرت صديق لك بسرك العظيم انك مثلي ، مهما كانت علاقتك به و قربك منه فإنه لن يتقبلك صديقاً او حتى شخص يعرفه و سوف ينسي كل ما بك من خصال حسنة و ربما يأول كل تصرفاتك السابقة معه على انك كنت تتحرش به مثلا ، حتى لو كنت انت لم تضعه في بالك مطلقاً ، و سوف ينسى كل المواقف التي جمعتكما سويا كأصدقاء و فقط يراك في جهنم و انت تعذب لانك مجرم .

بالتأكيد تتباين ردود الفعل و تختلف على حسب شخصية الشخص المغايير . و لكن الشىء الأكيد أن معظم ردود الفعل ستكون في نطاق انكم لن تصيروا اصدقاء كما كنتم و ذلك لإرتباط المثلية بتلك الأفكار التى ينشرها الدين .

أما إنعكاس نظرة الدين للمثلية على المثليين أنفسهم فهذه هى المشكلة الكبرى و الأهم بالنسبة لنا ( و هنا أيضا ستتباين و تختلف ردود فعل المثليين انفسهم ، كل حسب شخصيته ) :
فتجد المثلي منذ اكتشافه و ادراكه لهويته الجنسية و ميوله المختلف عن الأخرين أكثر الناس اهتماماً للبحث و القراءة و الاطلاع على موقف الدين من المثلية ، و المصيبة الكبرى تحل عندما يكتشف هذا الموقف العدائي له .

فتجده لا يعرف ماذا يفعل فهو لم يختار ما هو به ، ليس له يد في ذلك ، كيف له أن يعاقب على مشاعر داخله ، يبدأ المثلي في كره نفسه ، و يبدأ في الإنعزال عن العالم و يبدأ في جلد ذاته على ما بها من اختلاف ، و انها هي سبب كل شقاءه الذي يحياه ، و يبدأ في السؤال و البحث عن كيفية التخلص من هذا الداء الذي ابتلاه الله به ، فيجد علماء النفس الشرقيين تدور طرق علاجهم حول محور الترهيب من المثلية و العمل على كراهيتها و التنفير منها و ذلك عن طريق استخدام وجهة نظر الأديان من المثلية و العذاب المنتظر في الأخرة بجانب محاولة الارتباط او عمل علاقة جنسية مع الجنس الأخر . فيبدأ المثلي هنا التقرب الى الله و الدعاء اليه بأن يبدل نفسه و يصلح العيب الذي بداخله و أن يغير ميوله و يعدل من قلبه الذي هو سبب شقاءه ، و لا ادري كم تطول هذه الفترة حتى يستجيب الله او حتي ييأس المثلي من الدعاء .

و هناك رد فعل اخر: ربما لا يكره المثلي نفسه و لكنه يكره الناس و المجتمع ، هذا المجتمع الذي لا يقبله و لا يعترف بحقه بالحياة و لا بأدميته و لا بمشاعره و حبه الذي يشعر به لإنسان من بني جنسه ، بل و يحقره و ربما يعاقبه على هذا .

و قد يكون رد الفعل بشكل آخر : فهناك من يستطيع أن يخدع المجتمع و ان يُرضي نفسه في ذات الوقت ، فتجد انه يمثل دور المغايير على الناس و يتزوج و ينجب ، و بجانب هذا الشكل الاجتماعي تجده يمارس المثلية ، و غالبا ً هذا النوع لا يبحث عن علاقة ثابتة مع مثلي فهو فقط يريد اشباع مؤقت لرغبته التي تلح عليه من وقت لأخر و بعد ذلك يعود الى حياته التي يعيشها امام الناس حتى تغلبه مشاعره مرة اخرى و يكرر ما فعله سابقاً و هكذا .

و أخر شكل من ردود أفعال المثليين تجاه موقف الدين منهم هو أن يكره المثلي الدين و يتخلص من كل أوامره و نواهيه و قد يصل الي انكار وجود الله و بهذا يكون تخلص من أى احساس قد يسبب له الحزن او الاضطراب بحياته ، ربما يجد المثلي في الإلحاد منفذ للحياة و التخلص من كراهية الدين له و هذا ما دفعني اليوم لكتابة هذا الموضوع و داخلي تساؤل و علامة استفهام كبيرة اتمنى ان نصل الى اجابة شافية :

هل المثلية و التدين خطان متوازيان لا يمكن أن يتلاقى ؟؟

كلنا نعرف كما شرحت سابقاً ان المثلية ارتبطت بأذهان الناس بكل الذنوب الأخرى و بالطبع فهذا تصور خاطىء تماماً ، ليس معنى ان هناك انسان مثلي انه سوف يرتكب باقي ذنوب الأرض ، و اذا كان هذا الاحساس موجود داخل بعض المثليين ، فالمجتمع هو المسئول الأول عن هذا التصور الخاطىء و هو المسئول عن زرع هذاالمفهوم الخاطىء داخل أنفس المثليين أولاً و المغاييرين ثانياً .

لماذا المثلية و التدين خطان متوازيان ؟ لماذا لا يصح ان أتدين و أنا مثلي ؟ لماذا أتدين و أتقرب من الله فقط حينما اتمنى ان اتخلص من مثليتي ؟ لماذا يجب ان ألجأ الى الله لكي يغيرني و يبدل قلبي هذا ؟ لماذا ترتبط المثلية في عقول الناس بالمجون و الإنحلال و الفسق و الفجور ؟

لماذا لا نتقرب من الله فقط لأنه الله و انه يجب علينا عبادته ؟
اذا اعتبرنا المثلية كمرض او كعاهه اصيب بها احد الشباب ، لماذا يتقرب من الله فقط لكي يغيره او يبدله ؟ هل هناك مثلاً شاب اصيب بعاهه كالعرج او العمى مثلا و يتقرب من الله فقط كي ينبت له قدم جديدة او يعطيه عين اخرى سليمة ؟ نعم المعجزات بيد الله و هو قادر على كل شىء و لكن لا داعي ان يكون سبب تقربنا من الله ان يغيرنا و يبدلنا وأن يجعلنا مغاييرين .

خلاصة القول ، أتمنى ان يتغير مفهوم المثلية و التدين داخل المثليين و المغاييرين ايضا ، أتمني ان يتلاقي الخطان سويا ( المثلية و التدين ). اتمنى ان نتقرب من الله لانه خالقنا ، و ليس فقط لكي يغيرنا و يبدل نفوسنا ، لأن في هذه الحالة لن يكون تقربك منه إلا لغرض و هدف ، و اذا لم يتحقق هذا الهدف ستجد نفسك تبتعد عنه ، لابد ان نتقرب من الله لانه الخالق و نعبده بدون هدف أو غاية سوي أن خالقنا و يجب علينا عبادته .

أما عن الأخرة و الجنة و النار ، فكل شىء بيده هو ، و دخول الجنة برحمته و ليس بقدر أعمالنا ، و الله هو الأرحم و هو الذي يستطيع أن يرى و يفهم قلوبنا ، نحن لسنا قوم سدوم ، انما نحن نعبد الله و نوحده و نحبه ، ربما يكون هناك نقطة واحدة مختلفة بنا ، و هذا من طبيعة البشر ، فليس هناك انسان كامل ، و لا اعتقد أن الله سيرفض تقربنا منه و حبنا له ، اهم شىء ان نؤمن به و نعبده بالقدر المستطاع .

25 January 2008

قـُبلة .. قصة قصيرة

كتبها : تامر سعيد


في الداخل :

ظلام دامس هنا ، انه اشبه بأعماق المحيطات ، حيث لا تصل شمس ، و لا يمر هواء ، و رغم ذلك فهو رطب جدا ، أنا أشعر بذلك . في المطلق انا اكره الرطوبة ، و لكني اتمناها : هنا و الآن أظن انه وقت التجول بعض الشئ لاستكشاف هذا المكان الجديد ، اغمض عيني - فالمكان مظلم في جميع الأحوال - و سأعتمد فقط على غريزتي الأساسية .

اتحسس الجدران الرطبة جيداً و اتنفس ببطء ، فلو كان هناك كائن ما فلا أود ازعاجه بالتأكيد .

بينما اتجول في المكان اصطدم بجسم آخر ، دافئ ، رطب ، يبدو انه حي .. اجل .. انه يتحرك . جفل مني الى الوراء لحظة ثم عاد مرة أخرى ، يبدو لطيفا ، تعرفت عليه سريعا ، و احتضنني هو برفق و جعل يحكي لي بعض القصص الممتعة . حكى لي كيف انه لم ير الشمس من قبل ، فتعجبت ، فشرح لي ان هذا ممنوع عليه ، لأنه في عرفهم يعتبر من اساءة الأدب ، فأخبرته ان الامر نفسه عندي و ان كان مسموحا لي ان اخرج بعض الشئ وقت التعبير عن الفرح ، فهز كتفيه ، و عدنا للعناق .

كان حديثنا ممتع بحق ، رغم انه كان حديثاً بلا كلمات ، فكلانا غير مسموح له بالكلام هنا و الآن ، و لكن الحوار بيننا تم بالتلامس ، مثلما يحدث مع بعض المصابين بالصمم و فقد الرؤية معا ، و رغم انها كانت الوسيلة الوحيدة ، الا انها كانت امتع وسيلة للتحاور .

جاءني الأمر بالخروج ، و لكني كنت احببت رفيقي هذا جدا ، و عرضت عليه المجيء لزيارتي في بيتي ، فأكد انه سيقوم بذلك في المرة القادمة ، و لكني اخبرته اني اريد منه ان يزورني الان ، أمسكت به بقوة ، و اصررت على اصطحابه معي ، لا اطيق فراقه . اطاعني اول مرة ، و دخلنا بيتي ، و لكني واصلت سحبه الى الداخل ، أريده معي دوما ، أحببته ، هل هذه أنانية ؟؟ فجأة بدأت قوة ما تجذبه الى الخلف ، قال انه سعيد بالتعرف إلي و انه يتمنى ان نكثر من تبادل الزيارات ، قلت له : انتظر ، قال : ليس الأمر بيدي ، قلت : تمرد ، قال : أموت . أمسكت به جيدا ، و قاومت هذه القوة المقابلة ، و لكنه انزلق مني الى الخارج ، فابتسم هو و قال : الى اللقاء .

في الخارج :

صوت قبلة ، و تباعد شفتين عن بعضهما ، يداعبني كريم بقرصة خفيفة في جانبي و يحذرني مبتسما : ماتشدش لساني جامد كده ، اقول له معتذراً : معلش ، و نواصل العمل في صمت .



24 January 2008

إعلان إرتباط تامر و كريم


اكتب هذه الكلمات اليوم و أنا في قمة سعادتي و التي ربما يشوبها بعض القلق ، ربما لأن من يعاني من الحزن لفترات طويلة ، يشعر بالقلق عندما يجد السعادة ، ربما خوفاً على تلك السعادة من فقدانها و العودة مرة أخرى لما كان عليه من حزن ، لا أعرف على كل حال دعكم من هذا الآن

فاليوم أدون عن بداية علاقتي بمن كنت ابحث عنه ، و اعلن ارتباطي بأحلي إنسان في العالم إنه ( تامر ) هو ليس معروف لكم ، لكنه كان دائم القراءة لمدونتي و كنا أصدقاء على النت فقط ، ثم تقابلنا في الواقع و خرجنا سويا و تكلمنا و تعرف كل منا على الأخر كأصدقاء ، و بدأت مشاعر الحب تنمو بيننا و تصارحنا بالحب ، و قررنا أن نرتبط

على الرغم من وجود اختلافات كثيرة بيننا ، إلا ان كل منا احب الأخر ، ربما يساعد هذا الأختلاف على نجاح العلاقة ، و لكن أهم شيء أنه مثلي الجنس ، حيث يفهم كلانا طبيعة الأخر و مشاعره . فمن خلال تجاربي السابقة لا أنصح أحد من المثليين بالإرتباط بشخص مغايير أو بايسكشوال ، فكلاهما لن يفهمك

لا أجد كلمات كافية لأوصف ذلك الانسان الذي احببته ، عارفين لما ببقى معاه بفتكر سعاد حسني لما كانت بتغني لحسين فهمي اغنية ( يا واد يا تقيل ) و بتقوله ( متقولش أمين شرطة اسم الله و لا دبلوماسي ) بجد انسان رائع ، قمر ، بس هو لا أمين شرطة و لا دبلوماسي الحمد لله طبعا .. لاء و تخيلوا أول كلمة حب قالها لي كانت أيه ؟؟ قالي ( يخرب بيتك يا كريم ) طبعا أنا كنت هضربوا بس يالله بقى ربنا يسامحه ، بس بعد كده اخترع لي كلمة حب غريبة قوي بس عجبتني ، أهو يعنى يمكن تبقى مصطلح جديد يتداوله العاشقين بعدين ، المهم الكلمة دي اسمها ( هاكاتاه ) و النبي ما حد يسألني يعنى ايه ، بس أكيد يعنى هي حاجه كويسة ، بس لو حد يعرف الكلمة دي بأي لغة أو يعرف معناها أيه يا ريت يقولي ، أحسن الواد يكون بيشتمني و بيضحك عليا و أنا معرفش .. بهرج طبعاً


كمان كان لازم أدون النهاردة عن القَََُبلة الأولى بيننا .. بدون تفاصيل و محدش دماغة تروح لبعيد ، ، بس أنا سعيد بجد ، و بتمنى لكل الناس انها تلاقي الحب و تلاقوا الحد اللي يحبكم و تحبوه ، و تحسوا بالسعادة معاه ، مش مهم انت مثلي و لا مغايير المهم انك تحس بالحب و السعادة مع اللى قلبك يرتاحله ، ادعولي العلاقة تنجح و تستمر

****************

انضم تامر لعالم البلوجرز و هذه مدونته ، انفعل .. فالامر يستحق

أغنيت (حبيتك تنسيت النوم) مهداه لحبيبي و لكل الناس
اضغط لتحميل الأغنية بتوزيع أحدث


12 January 2008

إيســـــاف .. قصة قصيرة




** 1 **
ممددا فوق سريره بحجرته المكونة من سرير و خزانة صغيرة لملابسه و مكتب وضع بالجهة الأخرى من الحجرة أسفل النافذة .. و بجوار المكتب توجد مكتبة مكونة من عدة أرفف تملأها الكتب الكثيرة التى قرأها على مر السنوات و كتب أخرى لم تقرأ بعد حيث تنتظر دورها في القراءة.

ينظر من حين لآخر إلى الساعة المعلقة على الحائط .. السابعة مساءا كما تشير عقارب الساعة .. يريد الخروج لمقابلة صديقه كريم الذي يحتفل اليوم بعيد ميلاده وسط مجموعة من الأصدقاء .. لكنه لا يستطيع الخروج قبل أن تعود أخته الصغرة من الجامعة حتى لا يترك أمه المريضة بمفردها فى المنزل .

ينهض واقفا إثر سماعه صوت الباب الخارجي للشقة يـُفتح .. يستكمل ارتداء ملابسه .. يحضر هديته لكريم من الدولاب .. يتعطر .. يخرج من حجرته .. تقابله أخته التي عادت من قليل و التى ألقت بنفسها فوق الأريكة الموجودة في حجرة المعيشة معبرة عن الارهاق الذى يصيبها دائما بعد يوم طويل من المحاضرات بالجامعة .. تبتسم له .. يبادلها ذلك بعبوس مصطنع .. قائلا لها:

- اتأخرتي ليه ؟
- أنا أسفة والله يا إيساف .. المواصلات كانت زحمة جداً
- يعني ينفع كده أروح متأخر على أصدقائي

تضحك قائلة : لا ما يصحش طبعا .. إنما أيه الشياكة دي كلها ؟ هى إسمها أيه ؟

يحاول أن يخفي ابتسامته: هي مين اللي اسمها ايه ؟
- اللي انت جايب لها الهدية اللي ف ايدك
- ده واحد صحبي عيد ميلاده النهاردة
- يا أبيه !!! عليا أنا الكلام ده ؟ فاكرني صغيرة و لا أيه؟

بأداء مسرحي تكمل كلامها: انه الحب يا أخى العزيز يظهر في عيون العاشقين

- بنت .. عيب الكلام ده.

متظاهرا بالجدية مخفيا ابتسامة و سعادة داخلية : ادخلي يلا لماما شوفيها محتاجه حاجة و لا لاء .. أنا أكلتها و اديتها العلاج بتاعها .

- حاضر يا أبيه .. بس ابقى سلملي عليها
- هي مين دي ؟
- اللي بالي بالك بقى

و تجري سريعا من أمامه .. و يفتح هو الباب ويخرج مبتسما ضاحكا و سعيدا.



** 2 **

اليوم عيد ميلاد كريم ، الذى لم يحتفل بهذه المناسبة منذ فترة طويلة ، فدوما كان وحيداً حزيناً يحيى صراعاته النفسية بعيداً عن الأخرين .. و لكن هذا العام هناك شىء مختلف في حياته حيث لم يعد وحيداً كما كان .. يشعر بالإستقرار النفسي و يغمره الإحساس بالسعادة ، حقاً بدأ يشعر انه يحيى ، أنه إنسان .

قرر كريم دعوة مجموعة من الأصدقاء المقربين له و كان عددهم قليل لشاركوه الإحتفال بعيد ميلاده في تلك الكافتريا التى اعتاد الجلوس .. ربما اراد ان يجعلها شاهداً على سعادتهً بعدما اعتاد الجلوس بها حزيناً يفكر في حياته و صراعاته و اختلافه عن باقي البشر .. بالفعل حضر الأصدقاء داليا و نهى و علي و مصطفى .. و بدأت الصديقتان في تجهيز كعكة عيد الميلاد .. أخبرهم كريم أن يضعوا شمعة واحدة فقط في الكعكة ، و رغم تسأولات الأصدقاء عن سبب ذلك إلا انه تهرب من الإجابة و لم يعطهم تبرير واضح عن سر تلك الشمعة الوحيدة .

كان كريم من النوع المتحفظ في حياته ، لا يحب التدخل في حياة الأخرين الشخصية و لا يحب ان يتدخل أحد في حياته الشخصية ، و على الرغم من ان هؤلاء الأربعة يعتبروا من الأصدقاء المقربين لكريم إلا أن احداً منهم لم يكن يعرف تفاصيل حياة كريم العاطفية .. لكنهم يشعرون بتغير ملموس في حياة صديقهم مؤخراً ، حيث أصبح أكثر سعادة و إقبالاً على الحياة .

بعدما جهزت الصديقتان كعكة عيد الميلاد و إشعال تلك الشمعة الوحيدة بها ، بدأ الأصدقاء في غناء بعض أغاني عيد الميلاد ، و ساد جو من المرح بينهم ، و طلبوا من صديقتهم داليا ان تغني ، حيث تتمتع داليا بصوت عذب .. دائما ما كان يطرب له الأصدقاء ، بالفعل بدأت داليا في غناء تلك الأغنية التى يعشقها كريم حيث أهدتها له .

... وحياتي عندك .. لو كان ليا عندك خاطر
لتراجع قلبك قبل ما يجي اليوم و تسافر ...


** 3 **

داليا فتاة جميلة تتمتع بجمال مقبول و صوت عذب و أخلاق حميدة .. تعتبر داليا من أقرب الصديقات لكريم .. منذ تعارفهما التى كانت زمالة في الدراسة الجامعية و هى تنجذب له عاطفياً و قد حاولت بالفعل أن تلمح له بذلك ، و لكنه لمح لها أنه يحبها كصديقة غالية عليه أو كأخت له و ليس حب عاطفي .. و على الرغم من ذلك فهي لم تستطيع ان تتخلص من تلك المشاعر التي بداخلها نحوه ، مع علمها الأكيد أن كريم لن يحبها الا كصديقة .

و على الرغم من احساس داليا بأن هناك شخص أخر يحبها و يحاول دوماً ان يظهر حبه له بشتى الطرق ، إلا أنها لم تشعر أبدا بأي انجذاب تجاهه .. إنه علي .. كل كلمة يقولها تعبر عن حبه لها .. كل تصرفاته تقول أنه يحبها .. في البداية كان رقيق جداً معها ، دائم التفكير و الانشغال بها و بما تحب و بما تكره و لكن دائما كانت داليا تصده و تعنفه على إهتمامه بها .. لاحظ علي إهتمام داليا بكريم ، فبدأ حبه يظهر بشكل مختلف .. فبدلاً من الإعجاب الزائد بها بدأ يسخر منها و من تصرفاتها .. يحاول أن يجعلها محور قفشاته و ضحكاته .. بدأ حبه لها يخرج بشكل معكوس إنتقاماً منها .. حتى علاقته بكريم تغيرت .. يشعر دائما بالغيرة منه .. بدأ يتكون داخله الاحساس بالكراهية تجاه كريم .. على الرغم من تأكده ان كريم لا يحب داليا .. كثيراً عاتب نفسه على هذا و لكنه سريعاً كان يرجع سبب عدم حب داليا له هو وجود كريم في حياتهم .


** 4 **

يصفق الأصدقاء لداليا بعدما انتهت من الغناء .. يتسأل إبراهيم و هو ينظر الى الكعكة :

- ياله بقى يا جماعة مش هنطفي الشمع قصدي الشمعة ، انا جعت خلاص

يضحك الأصدقاء .. يطلب منه كريم الإنتظار قليلا ، حتي يصل صديقه إيساف فيقول إبراهيم :

- طبعا يا سيدي ، لازم نستنى إيساف ما هو الأنتيم بتاعك و مش بتعمل حاجه من غيره من يوم ما عرفته

إضطرب كريم لهذه الكلمات التي قالها إبراهيم .. و حتى يخفي هذا الإضطراب و تلك الأفكار التى اجتاحته و قلقه من تلك الكلمات التي ربما قيلت بدون قصد و لا تحمل أي معاني اخرى ، اخرج كريم الموبيل من جيبه كي يتصل بإيساف .

كانت المكالمة قصيرة جداً خالية من أي كلمات حميمة .. فقط عرف كريم كم من الوقت باقي على وصول إيساف إلى الكافتريا - خمس دقائق كما أخبره إيساف - و بعدما انهى تلك المكالمة نظر الي إبراهيم و قال له : خمس دقائق فقط و يصل إيساف .. و انه يجب إنتظاره لانه من العيب ألا ننتظره ، و مرة اخرى يطلب الأصدقاء من داليا الغناء و يبدأ صوتها الجميل في إنشاد أحلى أغنيات الحب


** 5 **

يصل إيساف .. يظهر عند باب الكافتريا مبتسما ، يحمل في يده لفافة صغيرة - هديته لكريم .. لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يلتقي بها إيساف بأصدقاء كريم ، فقد قابلهم مرات كثيرة قبل هذا .. لم يصيروا أصدقاء مقربين و لكنهم أحبوه جداً و كانت علاقته بهم طيبة.. يسلم عليهم و يعتذر عن تأخره ثم يجلس بجوار كريم الذى ظهرت السعادة في عينيه .. يعطيه إيساف الهدية قائلا :

- كل سنة و انت طيب يا كيمو

يشكره كريم و يأخذ الهدية و يفتحها بفضول ، و تظهر علامات الفرحة على وجه كريم قائلا :

- شيكاغو ؟!!! و كمان نيران صديقة !!! الله .. بجد متشكر ليك .. أنا فعلا كان نفسي اقراهم جداُ ، متشكر يا إيساف

يسأله كريم عن سبب تأخره فيجيب بانه تأخر لانه لم يستطيع ترك أمه بمفردها حيث لم يكن هناك سواه في البيت لهذا انتظر حتى وصلت اخته .. إعتذر له كريم و تمنى الشفاء العاجل لها و كذلك فعل الأصدقاء .

و هنا تدخل علي و طلب من كريم ان يطفىء تلك الشمعة التى قد قاربت على الإنتهاء .. بدأ الاصدقاء في غناء اغنية عيد الميلاد ( هابي بيرث داي تو يو ) و سريعاً أطفاء كريم تلك الشمعة الوحيدة في كعكة عيد ميلاده .


** 6 **

إنتقل كريم و إيساف إلى مكان اخر في الكافتريا بعيداً عن الأصدقاء بعدما أخذ قطعتين من الكعكة له و لإيساف .. ينظر كل منهم الى الأخر و هما يتناولا الكعكه ثم ضحكا سوياً فبدأ ايساف بالكلام :

- بتضحك ليه ؟
- مبسوط قوي و مش عارف أعبر عن سعادتي
- يا رب ديماً ، بس أيه السبب ؟
- قاعد مع أحلى إنسان في العالم كله
- في العالم كله مرة واحدة ؟
- عندك شك في كلامي و لا ايه ؟

يضحك ايساف ثم يكمل الحديث :

- على فكرة أنا فهمت ليه التورتة فيها شمعة واحدة بس
- بجد ؟ طيب ليه ؟
- لان دي أول سنة نكون فيها مع بعض
- عندك حق ، أنا حاسس إن حياتي ابتدت من يوم ما عرفتك
- طيب يا سيدي عقبال ما يبقى عندك 100 سنة و احنا سوا
- 100 سنة بس
- كفاية قوي ، دا انت طماع بشكل

يضحك الاثنان ، و يلتفت إيساف حوله و يكمل حديثه :

- كفاية بقى ، احنا قاعدين في مكان عام
- اه نسيت .. قولي انت هتيجي تبات عندي الليلادي ؟
- يا ريت ، بس مش هقدر لإن ماما تعبانه و مش هينفع أبات بره اليلادي
- ( بحزن ) طيب اوكي و لا يهمك
- كريم متزعلش مني أنا متهيالي لازم امشي دلوقتي
- بسرعة كده ؟
- معلش حبيبي
- طيب ، خلي بالك من نفسك
- انت كمان

ثم ينظر له قائلا:
- كريم .. انا بحبك
- و أنا بعشقك



** 7 **

يغادر إيساف الكافتريا تاركاً كريم و الأصدقاء هناك .. ينتابه ذلك الشعور الذي يجتاحه بعد كل لقاء مع كريم ، احساس بسعادة و فرحه و إشتياق منتهيا بحزن عندما يتركه و يرحل حيث يشعر بانه ترك جزء منه خلفه ، كم يشعر بحب كريم داخله ، يشعر انه اصبح جزء منه .

لم تكن حياة إيساف تختلف كثيراً عن حياة كريم قبل لقائهما سويا ، كان هو أيضا وحيداً حزيناً ، يشعر بالخوف و عدم وجود أمل في الحياة . و يشعر بالظلم لانه خلق مثلي الجنس في مجتمع لا يعترف بإنسانية المثليين .. كانت تجتاحه مظاهر الغضب تجاه الدين و الناس و أوقاتاً تجاه الله الذي خلقه هكذا .. الله الذي شرع كل الأديان التي تحرم تلك المشاعر التى لم يختارها .

كان عقله مشغول بحياته و كيف تغيرت بعد حبه لكريم .. اصبح اكتر استقراراً ، بدأ يحب نفسه لأن كريم يحبه ، بدأ يحب الناس جميعاً ، بدأ يري الدنيا من منظور مختلف ، بدأ يكون له هدف في الحياة .. ها هي اخته الصغري تحدثه اليوم عن احساسها بأن الحب يظهر عليه .. كما يظهر على العاشقين .. سألته اليوم عن اسم من يحب .. يتمنى لو كان يستطيع أن يخبر العالم عن اسم حبيبه الذي جعل حياته تختلف .. كم يتمني ان يستقل بحياته في شقة صغيرة يشاركه كريم العيش بها ، إنتفض قلبه عندما تخيل انه يحيى هو و كريم في مكان واحد .

كم يتمنى ان يعترف هذا المجتمع بحبه و علاقته بكريم ، و ان يصبح الزواج بينهم مشروعاً ، و لكن سريعاً يطرد تلك الأفكار عن عقله و يصيح : لماذا أهتم بالناس ، الأهم انني وجدت كريم .. ينظر إيساف إلى السماء ليشكره الله و يتكلم بصوت مسموع قائلا : الحمد لله .

تذكر إيساف كيف كانت علاقته مع الله ، و كيف كان بعيداً عنه قبل كريم .. تقرب إيساف من الله في الماضي طالباً منه أن يغيره ، أن يصلح ذلك العيب الذي خلق به ، ان يجعله يهيم عشقاً بالنساء و ليس بالرجال ، و لكن عندما لم يستجب الله له .. عندما لم يحدث هذا التغير .. بدأ إيساف يعاتب الله و يلومه على ما يشعر به من ألم و احساس بالغربة و الخوف و الوحدة و الأحساس بالدونية حتى أمام اقذر البشر مرتكبي أقذر الجرائم ، و لكن الحال الآن تغير .. عاد إلى الله يعبده و يتقرب له و يشكره لانه هو الخالق و لأن عبادته واجب علينا دون شروط أو طلبات تحدد علاقتنا بالله .. مرة ثانية ينظر إلى السماء قائلا : الحمد لله .

يعبر إيساف الطريق و ما زال عقله مشغول بالتفكير .. و لكن سيارة مسرعة تأتي من بعيد ، لم يراها ﺇيسـاف عندما قرر عبور الشارع ، و قبل ان يلحظها ﺇيسـاف ، جاءت السيارة مثل البرق صدمت ﺇيسـاف الذي ارتفع في الهواء ، و سقط على الأرض فاقدا الوعي .


** 8 **

يسمع كريم و الأصدقاء صوت فرملة السيارة المرتفع خارج الكافتريا ، يجري معظم رواد الكافتريا إلى شرفة الكافتريا المطلة على الشارع ليروا الحادث و بينهم كريم الذي يشاهد إيساف ملقي على الأرض .. ينقبض قلب كريم و تظهر علامات الرعب عليه .. تمر عليه ثواني يشعر كريم أنه غير قادر على الحركة .. إلا انه سريعاً يجري ناحية باب الخروج و يقفز درجات السلم و يتبعه الأصدقاء للخروج الى الشارع .

ﺇيسـاف ملقى على الأرض فاقداً الوعي و ينزف من اماكن متفرقه من جسده ، لا يعرف كريم ماذا يفعل ، يجلس بجواره على الأرض في حالة ذهول ، يمسك يد إيساف ، أراد أن يرفعه من الأرض ليضمه إلى صدره لكنه خاف الناس و تذكر كلمات إيساف له بأنه يجب أن يراعي تصرفاته أمام الناس ، يشعر بالعجز التام ، لا يعرف ماذا يفعل ، فالإنسان الذي أحبه ملقى الآن امامه على الأرض ، يلتف الأصدقاء و الكثير من الناس حولهم يتصل البعض بالنجدة و الاسعاف .. تمر لحظات غير معلومة يقطعها صوت سيارة الإسعاف .


** 9 **

أمام حجرة العمليات التى يوجد إيساف بداخلها ، يقف الأصدقاء و كريم الذى لم ينطق بكلمة منذ وقوع الحادثة ، يبدو على وجه الفزع و الخوف ، و عقله لم يتوقف عن العمل منذ وقوع الحادثة ، لا يستطيع ان يتخيل أن يحيى بدون إيساف ، كيف و لماذا هو ، إن حياته لم تبدأ إلا عندما قابل إيساف .. إنه اليوم يبلغ عامأً واحداٌ كإنسان .. يحاول ان يبعد أي افكار مأثوية من عقله و يقنع نفسه أن إيساف سوف يعود مرة أخرى .. كثيرون يصدمون و يتعرضون لحوادث مشابهة ، و يعودون كما كانوا .. سيعود ، سيعيده الله من أجلي و من أجل أمه المريضة .

و يبدأ كريم في مناجأة الله و الدعاء سراً بأن ينجي إيساف من تلك الحادثة و أن يعود سليماً منها ، حتى يخرج طبيب من الحجرة المجاورة و خلفه شاب يبدوا عليه الخوف و الفزع محاولاً ايقاف الطبيب قائلاً :

- و النبي يا دكتور ، ابوس إيديك ( يحاول حقاً أن يقبل يد الدكتور الذي يسحب يده ) إعمل أي حاجة ، خد الكلية بتاعتي المهم انها تعيش
- يا ابني مينفعش ، خلاص الحالة دي هوبلس كيس ، الكلية توقفت عن العمل و الجسم خلاص اتسمم
- حرام عليك .. هعيش ازاي من غيرها ؟
- يا ابنى الأعمار دي بإيد ربنا ، إحنا مش فى إيدينا حاجة .. روح انت اقعد جنبها و شوفها عاوزة ايه اعمله لها .. اكلها و شربها اللى نفسها فيه .

ينصرف الطبيب تاركاً فارس خلفه يبكي حيث لا وجود أمل في شفاء حبيبته .. يمسح دموعه قبل أن يدخل باب الحجرة التي بها حبيبته .. ينظر الأصدقاء لبعضهم البعض بعد هذا المشهد الذى دار أمام أعينهم و يبدأ ابراهيم بالكلام :

- لا اله الا الله .. واحد حبيبته بتموت قدام عنيه .. ده أصعب موقف في الدنيا

ترد نهى على إبراهيم بتأثر قائلة :

- أه فعلاً ربنا يكون في عونه .. حاجة صعبة جداُ

ينظر كريم إليهم فقط دون كلام .. لا يستطيع لسانه بنطق أي كلمة .. فهو الآن في نفس موقف هذا الشاب .. الفارق بينهم ان ذلك الشاب قادر أن يعبر عن حزنه و خوفه و لهفته تجاه من يحبها .. أما كريم لا يستطيع أن يظهر هذا الخوف و الحزن على من يحب .. ينظر كريم إلى الأرض و يخفي حزنه داخله و يعود لمناجاة الله لينقذ إيساف .


** 10 **

يدخل فارس الى الحجرة حيث ترقد شيماء فوق السرير ، يبدو عليها اﻹعياء الشديد ، يقترب منها مجاولا أن يبدو طبيعياً راسماً على وجهة الابتسامة و يقول :

- على فكرة الدكتور طمني جدا عليكي و قالي ان التحاليل بتقول ان الكلية دلوقتي بقت تمام و انك هتبقى كويسة قريب قوي و انك لازم تاكلي اللى نفسك فيه علشان جسمك يقوي و تخفي بسرعة ، نفسك فى ايه بقى ؟

ترد عليه شيماء و هي تتألم و يظهر الضعف في صوتها :

- أنا عارفة إنك بتكدب عليه ، و ان الدكتور قالك انى خلاص بموت
- انتى ليه بتقولي كده ؟ .. ربنا يخليكي ليا .. انتى متعرفيش انا ممكن يجرالي ايه لو حصلك حاجة .. احنا ما صدقنا ان اهلنا وافقوا على ارتباطنا
- يظهر انى ماليش نصيب انى اكون ليك .. في الأول كانوا رافضين عشان انت مكنتش لاقي شغل و لما لقيت شغل ، اديني اهو بموت

بحزن شديد محاولا اخفاء دموعه يقول : متقوليش كده يا شيماء ، أنا مقدرش اعيش من غيرك ، يا ريت كنت أنا
- بعد الشر عليك حبيبي

يظهر عليها الأعياء اكثر و تسأل : هي ماما فين ؟

- وصلت لحد البيت بتجيب حاجة من هناك و راجعه على طول ، أنا موجود معاكي أهو قولي بس انتي عاوزة أيه و أنا هعملهولك

ثم يقوم فارس بإحضار طبق به بعض التفاح و يقوم يتقطيعه إلى شرائح و يحول ان يطعم شيماء و لكن شيماء ترفض أن تتناول أي شىء


** 11 **

ما زال كريم و الأصدقاء واقفون أمام باب غرفة العمليات التي بها إيساف حيث يحاول الأطباء انقاذه .. تمر الدقائق على كريم كأنها ساعات من القلق و الخوف في إنتظار أخبار عن حالة إيســاف .. يخرج أحد الأطباء .. يسرع الأصدقاء و في مقدمتهم كريم نحوه و يبادر هو بسألهم :

- انتوا اللي مع الشاب بتاع الحادثة ؟

يجب كريم سريعاً :

- ايوة يا دكتور ، هو عامل ايه ؟
- للأسف يا جماعة حالته سيئة جدا .. هننقله في أوضة تانية و تقدروا تشوفوه

ينقبض قلب كريم و يظهر الرعب على وجهه و يحاول ان يخفى هلعه فيلتفت لأصدقائه متسائلاً :

- هو فين الحمام ؟


** 12 **

ينهار كريم تماماً بمجرد أن يغلق باب الحمام خلفه ، و تسيل دموعه التى حبسها امام الناس .. يلتصق بجدار الحمام و يضرب بيديه و يعلو صوت بكائه الشديد .. و تبدأ صور إيســاف في الظهور أمام عينيه .. يتذكر إيساف في أول لقاء لهم عندما أخبره بحبه له .. يتذكر ابتسامته و ضحكته و حتى بكاءه .. يتذكر عندما كان يأخده في حضنه و ذلك الحنان الذي كان يشعر به معه .. يسمع صوت إيساف و هو يغني له بصوته الدافىء الجميل تلك الأغنية التي عشقها بصوته :

... لو تعرفوا بنحبكم و نعزكم كده أد أيه
لتقدروا حتى التراب اللي بنمشي لكم عليه
الحب له احوال كتير ... و حبنا اكبر بكتير
لأنه ده الحب الكبير اللى ما فهش ازاي و ليه ..

يزداد بكاء كريم مع استمرار صوت إيســاف و صورته ، إلى أن يسمع صوت طرقات على باب الحمام .. إنه إبراهيم يقول :

- كريم .. يلا بسرعة إيســاف عاوز يشوفك
- حاضر ثواني

يغسل كريم وجهه بالماء و يخرج من الحمام .


** 13 **

يسير كريم و إبراهيم في الطرقة متجهين إلى الحجرة التي انتقل إليها إيســاف ، و لكنهم و أثناء مرورهم بجوار حجرة شيماء ، يصدر صوت صرخة عالية لفارس ، فقد ماتت حبيبته .


يتدخل بعض الناس لتهدئة فارس و إخراجه من الحجرة .. لكنه يستمر في الصراخ و البكاء على حبيبته التي ماتت أمام عينيه .

يتوقف كريم مكانه لثواني ، فقد إنهارت كل قواه . لا يلتفت لما يحدث خلفه حيث صراخ فارس و الناس التي تسانده .. ثم يكمل مسيرته الى حجرة إيســاف .. يقف امام باب الغرفة ثواني يستجمع فيها كل ما تبقى داخله من قوة و شجاعة لمواجهة الموقف .


** 14 **

يدخل كريم إلى الحجرة .. تفتش عيناه الحجرة سريعاً بحثاً عن أغلى الناس في حياته ، حبيبه إيساف الذي يرقد فوق السرير محاطاً بمجموعة من الاجهزة و المحاليل و مناطق كثيرة من جسده ملفوفة بالشاش .. يلتف باقي الأصدقاء حول السرير صامتين يغلب عليهم الحزن و البكاء .. ينقبض قلب كريم لهذا المشهد الذي به حبيبه .. يشعر بان هناك يد خفيه تمسك بقلبه و تضغط عليه لدرجة الانفجار .. كادت أن تفر الدموع من عيناه و لكنه تماسك و حاول أن يرسم ابتسامه باهته على شفتيه قائلا :

- ايه يا عم إيســاف .. كده تخضنا عليك ؟ ما انت زي الفل اهو .. شوية جروح خفيفة و خلاص .. و هتقوم بكرة زي الحصان .. شوف البنات كلها زعلانة علشانك ازاي .. إبسط يا عم محدش قدك .

قال كريم كل تلك الكلمات بدون أن ينظر لعين إيساف .. كان يتهرب من عينيه .. يتجنب تلاقى عيناهم سوياً .. فهو يعرف انه لن يستطيع الصمود أو التمثيل أكثر من ذلك .. لكن إيســاف يشير لكريم بالاقتراب منه .. يمد يده على شفتيي كريم .. فصمت كريم عن الكلام .. يمسك كريم يده و تنهار تلك الشجاعة التى دخل بها .. ينظر كل منهما في عين الأخر دون أي كلام و كأنهما يتكلمون بعيونهم بدلأ من ألسنتهم .. لم يفهم أي من الموجودين ما الذي يدور .. فقد كان هناك حوار صامت بين كريم و إيساف ، لا يسمعه سواهما .. حيث يقول إيساف :

- انت كويس ؟؟

بحزن شديد يجيب كريم : انا كويس ، المهم انت ؟

- انا بحبك

تنهال الدموع من عين كريم الذى يكمل الحوار الصامت بصوت باكي :

- انا بحبك اكتر
- هتوحشني يا كريم .. خلي بالك من نفسك

يعلو صوت بكاء كريم .. ينزل على يد إيســاف ليقبلها .. في تلك اللحظة يموت إيســاف .. يرفع كريم رأسه عندما يربت أحد الأصدقاء على كتفه و يعلو صوت بكاء الأصدقاء .. ينظر كريم الى إيساف فيجده قد فارق الحياة .. ينهض كريم تاركاً الحجرة ، يخلو وجهه من أي تعبير فقط الدموع التي تسيل من عينيه دون انقطاع ، يسير كريم خطوتين ثم يسقط أرضاً .