14 June 2020

وداعاً سارة حجازي


لم أعرف سارة قبل اليوم وليس لدي أي تواصل مع أفراد المجتمع المثلي ولست من هواة الصدام مع أحد او بمعنى أخر ليس لدي القوة للمواجهة أو الدفاع عن أحد أو الدخول في مناقشات تخص حقوق المثليين .

منذ البداية أخترت الحفاظ على القليل الذي لدي بحياتي البسيطة .. فلست بفارس ولست أتمتع بشخصية تتحمل أي نوع من أنواع الصراعات .. يكفيني صراعي النفسي اليومي الذي لا ينتهي ومع من حولي في دائرتي الصغيرة ولذلك أثرت السلامة .

أعلم أن بعضكم قد يصفني بأنني جبان .. ولكن كل منا يعرف قدر نفسه وقدر تحمله .. وقد اتخذت شكلا أخر من التواجد في هذا العالم وهو الحكي ونقل حياتي وصراعاتي وتجربي وأفكاري لكم .. ربما يكون دور صغير وغير مجدي ولكنني راضي بذلك .. وتركت ساحة النضال لمن يتمتعون بقوة الشخصية والعزيمة ومن لدية القوة النفسية لتحمل مثل هذه الصراعات .

ولكن بالطبع هناك من يوضع في المواجهة رغماً عنه .. توقعه الظروف وحظه العاثر في هذا المكان الذي لا يحسده عليه أحد حيث يعاني من لهيب النقد والرجم من ذلك المجتمع الذي لا يرحم ولا يتعاطف .. بالطبع تقف خلفه بعض الجمعيات والكيانات التي تعمل في مجال حقوق الإنسان – وأحب أن أتوجه لهم بالشكر الكثير على جهودهم المبذولة لمساندة ضحايا المثلية في مجتمعنا .

عندما قرأت خبر انتحار سارة حجازي اليوم ، أصابني الرعب والهلع .. فبالرغم من كل المشاكل الذي يتعرض له المثلي في مجتمعنا ، فالبقاء حياً هو انتصار له مهما كان الحال .. لكن الموت والانتحار يعني الهزيمة للمثلي والإنتصار لذلك المجتمع الذي لا يرحم .

وسؤال واحد يحلق فوق رأسي بعلامة استفهام كبيرة .. لماذا لا يوجد محاكم جنائية لمحاكمة المجتمعات المجرمة والتي تفوق جرائمهم جرائم الافراد .. فالمجتمعات قد تسرق وتقتل وتعذب مثلها مثل الأفراد المجرمين .. بل تشتد جرائم المجتمعات بشكل أبشع من جرائم الأفراد ولكن للأسف ليس هناك محاكم تردعهم ولا قانون يعاقبهم .. بل يرتكبون تلك الجرائم بدم بارد وسعادة هانئة دون ضمير يؤرق بالهم و يشتت تفكيرهم .. بل أنهم يمتدحون صنيعهم فيما بينهم ولا يلقون بالاً لضحاياهم .

المؤلم في إنتحار سارة حجازي ، ليس فقط النهاية الحزينة ولا كمية الجرائم التي ارتكبت تجاهها من مجتمعها والتي دفعتها للهروب منه والعيش في مجتمع أخر، تعاني مرارة الإكتئاب والوحدة ولكن الأشد جرماً ما يرتكب الآن من هذا المجتمع الذي لا يخجل أفراده من إخفاء شماتته تجاه الموت وتجاه الضحية ولكنهم ما زالوا يقذفونها بأبشع اللعنات .. وكأنهم صاروا وكلاء لله على الأرض .. يعاقبون من يشاءون .. بل ويقررون مصيرها في دار الأخرة و يدركون مثواها وكأن ليس الله الحكم ومن بيده كل شئ ومن يقدر حال عباده وبأنه الرحمن الرحيم .. والقائل بأن رحمته وسعت كل شئ.. استغفر الله العظيم .

أدعوا الله أن يرحمك يا سارة وأن يشملك برحمته الواسعة ويعوضك عما عانيته في هذه الحياة وهذا المجتمع .



1 comment:

Anonymous said...

أتذكر أنني قرأت بالمصادفة عن حملة القبض المتعسفة على بعض الشباب بعد حفل مشروع ليلى ...ثم لاحقا انتحار فتاة كانت ضمن المقبوض عليهم، بالطبع من يأسي توقفت عن متابعة أي شئ له علاقة بحقوق المثليين لأنني أعرف الآن كم مجتمعنا متهالك ورجعي ومعجب بالإساءة لكل أقلية وحين نتحدث عن أقلية جنسية فهو يسئ بإريحية بلا ثانية للتفكير أو تأنيب الضمير ..لكن منذ أن عرفت بما حصل لهذه الناشطة و أتذكر ملامحها السعيدة في الحفل ..ثم أحاول فقط تخيل لحظة اعتقالها، القاءها في الحبس كما لو أنها ارتكبت جريمة شنيعة بأن رفعت علما زاهي الألوان ، والتجربة المروعة التي مرت بها أثناء ذلك الوقت والتي على الأرجح راحت تطاردها حتى أخر لحظة من حياتها أشعر أن مجتمع كهذا لا يستحق المسامحة و الغفران ابدا..لترقد بسلام هي و كل شخص دفع ثمنا باهظا فقط لانه في لحظة ما تجرأ على أن يكون نفسه ..الله يرحمك يا سارة رغم أنفهم جميعا

Post a Comment

اشكرك على إهتمامك وتعليقك .. والإختلاف في وجهات النظر شئ مقبولة ما دام بشكل محترم ومتحضر .. واعلم أن تعليقك يعبر عنك وعن شخصيتك .. فكل إناء بما فيه ينضح .