Showing posts with label قصص قصيرة. Show all posts
Showing posts with label قصص قصيرة. Show all posts

05 July 2015

ألقيت كل أقنعتي أرضا


عندما أتعامل مع كل الناس حتى أقرب الناس لي ، أقف خلف أقنعتي وخطوط دفاعي .. أصد ضرباتهم وهجومهم اللاذع نحوي .. دائما ما أدافع ، أبدا لا أقوم بالهجوم نحو أحد .. لا أجرح أحد .

معه ، إعتقدت أنه يشبهني .. تمنيته أخا وصديقا وإبنا وحبيبا .. قررت أن أقف بجواره حتى لا يمر بتلك التعاسات التي عشتها .. ظللت ليالي أفكر وأرتب مشاريع نحياها سويا .. سأشاركه كل اللحظات .. لن أتركه يعاني من الوحدة مثلما عانيت .. تمنيت أن أقضي سنوات عمري معه .. تمنيت أن نعيش سويا .. ألقيت كل أقنعتي أرضا .. وتخليت عن كل خطوط دفاعي .. فتحت صدري وأخرجت قلبي ووضعته فوق راحتي يدي .. وقلت له : أنظر ، ها هو قلبي .

بحركة عشوائية خطف قلبي من راحتي وأخذ يلهو به ويضغط عليه وينظر له من كل إتجاه قائلا : ما لهذا القلب يبدو غريبا !!

راحت روحي مع تلك الحركة المفاجئة .. أخذت منه قلبي سريعا .. أعدته لصدري مهزوما .. أغلقت صدري عليه .. لم أجد خطوط دفاعي .. لم أستطع أن أجيب على سؤاله .. لم أستطيع أن أعلق على ما فعل .. سقطت في أرض غرفتي أحاول البحث عن أقنعتي لم أجد سوى قناع الإبتسامة البلهاء .. حاولت أن أخفي جزعي وخوفي وحزني خلف هذا القناع .. لا أتذكر كيف غادر .. ظللت أبكي لساعات بعد رحيله .. ألم يسري في ذراعي الأيسر .. أبحث عن أدراجي عن علاج لهذا الألم .. لسنوات كان قد توقف قلبي عن النبض .. وعندما عاد إليه النبض تبخر سريعا .. وعاد إحساسي بالوحدة مرة ثانية .






20 September 2014

يبقى اسمك إتجوزت


- لسه مالقيتش واحدة زميلتك ولا حاجة تتجوزها؟ اللي أصغر منك إتجوزوا ومعاهم عيل وإثنين

لم أجيبها وتركتها صامتاً ودخلت غرفتي .. تمددت على سريري، أكمل قراءتي في كتابي .. جاءت خلفي .

- إنت مش بترد عليا ليه ؟
- لو سمحتي ياماما متكلمينيش في الموضوع تاني
- يا واد أنا عايزة أفرح بيك
- هو إنتي اللي هتتجوزي ولا أنا
- لا إنت
- خلاص لما أحب أتجوز هتجوز
- أه يبقى زي الناس ما بيقولوا إنك مالكش في النسوان .

لم أرفع عيني عن كتابي .. لم أصرخ في وجهها كالعادة .. لكن الدماء صعدت إلى عقلي الذي أصبح يغلي من الغضب والحزن .. أريد أن أصرخ في كل العالم «إتركوني في حالي» .. لكنها نهضت وخرجت من الغرفة عندما لم أجيب عليها .. ألقيت الكتاب بجواري وأخذت أحاول أن أخفف من حدة الغضب والحزن الذي يملاء صدري عن طريق إستنشاق أكبر كم من الهواء .. أغمض عيني وأتوسل إلى الله أن يرحمني من هذا العذاب الذي أحياه كل يوم .

بعد مدة وجدتها بجواري مرة ثانية في حجرتي تبكي .. وتسألني :

- أعملك شاي معايا ؟
- لاء شكراً

تمسح دموعها وتقول لي :

- الشهر الجاي هدي لك 10 ألاف جنية .. إتجوز أي واحدة من أي حتة .. وبعدين طلقها .. يبقى اسمك إتجوزت .

لا أجيب عليها .. تكرر كلامها للمرة الثانية وهي تبكي ولا أجيب عليها .. تنهض متجهة نحو المطبخ لإعداد كوبين من الشاي .


09 August 2014

حكمت المحكمة


اليوم الجمعة .. الجو حار وخانق في هذا العنبر المليئ بسرائر المرضى المكدسة بالزوار الذين جاءوا باكراً . فاليوم هو يوم الزيارات المفتوح .. كل سرير يحمل مريض واحد وأكثر من خمس أخرين جاءوا ومعهم أطعمتهم الكثيرة .. هي وحدها تجلس فوق سريرها وحيدة لم يأتي أحد لزيارتها .. شابة في الثامنة عشر من عمرها .. بيضاء نحيفة تتمتع بجمال الفقراء .. أجمل ما فيها شعرها الأسود الناعم المسترسل لما بعد جزعها .. لكن قلبها عليل منذ صغرها .. شاردة الفكر .. تتسائل لماذا تأخرت أمها اليوم عن زيارتها ؟ .. السرائر المجاورة بدأت تضيق بزوارها فبدأوا الزحف فوق سريرها .. فقامت تاركة لهم السرير وخرجت تجلس في المكان الذي يسمى حديقة المشفى والذي لا يحتوى إلا على بعض الحشائش التى نبتت عن طريق الصدفة ليس إلا .

***

قامت الأم منذ الفجر لتنهي ما لديها من عمل كلفها به زوجها .. هذا العمل اليدوي والذي هو مهنة الأب الذي يوكل معظم عمله للأم ويجلس هو ليدخن الشيشة ويشاهدها وهي منكبة على العمل .. انتهت هي من معظم العمل .. في نفس الوقت كانت تعد الطعام لإبنتها الكبرى التي ترقد في المشفي والتي يجب أن تذهب لزيارتها اليوم .. وأثناء أدائها لكل هذه الأعمال فإنها تحمل رضيعها البالغ عاماً في حجرها حتى لا يبكي .

إنتهت من إعداد الطعام وقد قاربت الساعة العاشرة .. وضعت الطعام في ذلك السبت الذي ستحمله فوق رأسها وتذهب به لإبنتها .. إرتدت جلبابها الأسود ولفت رأسها بالطرحة السوداء وقالت لزوجها :

- أنا ماشية رايحة المستشفى للبت .
- إنتي خلصتي الشغل ؟
- لسه شوية .. كمل انت لحد ما أرجع وأكمله .
- مش هتمشي إلا لما تخلصي الشغل .
- بس لو خلصته هتأخر ووقت الزيارة هيخلص والبت هتقلق لو ما روحتش دلوقتي .
- بقولك خلصي الشغل الأول .
- الشغل ما بيخلصش .. انا لازم أروح للبت .

نهض غاضبا حاملاً اقرب شىء طالته يداه .. وكان ابريق المياة النحاسي الذي تسكب له منه المياه كل صباح ليغسل وجهه وهو في سريره .. وأخذ يضربها به .. اتخذت هي وضع الجنين كل تحمي وجهها من الضربات حتى لا يظهر عليه أثار الضرب .. فجاءت معظم الضربات على ظهرها وقال لها :

- لو مشيتي .. مترجعيش على هنا .. روحي على بيت أمك .

لم تجيبه .. حملت السبت فوق رأسها .. وطفلها الرضيع بين ذراعيها ودموعها المنهمرة فوق وجهها وجبال من الآلم والعلامات فوق ظهرها .. متجهه نحو المشفى لزيارت إبنتها المريضة .

***

من بعيد رأت أمها تأتي مهرولة تنوء بأحمالها الكثيرة .. فقامت لتقابلها وتخفف عنها .. حيث أخذت منها الطفل الرضيع – أخوها – وسألت أمها :

- إتأخرتي ليه كده يا مه ؟
- على ما خلصت عمايل الأكل .
- لاء .. شكلك معيطة .. أبويا زعقلك ؟
- لاء يا بنتي .
- لاء شكله مزعقلك وضربك كمان .

لم تستطيع الأم أن تخفي ما بداخلها أكثر من ذلك .. لم تجيب إبنتها عن السؤال ولكن دموعها كانت إجابة كافية .. فبكت البنت أيضاً .. بعد قليل قامت الأم لتـُدخل بنتها لسريرها داخل العنبر الخانق المزدحم بالبشر .

***

عادت من المشفى على بيت أمها كما طلب منها .. والذي لا يبعد كثيرا عن بيت زوجها .. يفصل بينهم حارة واحدة .. حكت لأمها عما حدث اليوم .. والذي يحدث كثيراً وكل يوم .. حاولت أمها أن تطيب خاطرها بأن الرجال جميعا يضربن زوجاتهم .. بعد قليل جاء ولديها الأخرين يسألنا عنها .. حيث أرسلهم أباهم ليتأكدوا من أن أمهم عادت من المشفى علي بيت أمهم .. أحضرت الجدة الطعام لابنتها ولأحفادها .. مشى الولدين ليخبرا أباهم أن أمهم عادت .

وجلست الأم ترضع صغيرها من ثدييها .. وبجوارها تجلس الجدة العجوز .. وإذا بالأب يدخل غاضباً حاملا بيده عصا غليظة .. صاح فيها :

- إنتى إيه اللي جابك هنا ؟
- إنت مش قلت لي مترجعيش على هنا .. روحي على بيت أمك
- والشغل اللي في البيت ده مين اللي هيخلصه يا بنت الكلب .

ونزل فوقها بالعصا .. فحاولت الجدة أن تحمي إبنتها فجاءت العصا الأولي فوق ذراعها فشلها الآلم عن الدفاع عن إبنتها .. وجاءت باقي العصي فوق الأم التي حاولت ان تخفي الرضيع بين رجليها ولكن إحدى العصى فلتت من ظهرها لتستقر فوق رأس الرضيع .. الذي صدر منه صرخة واحدة وهمد بعدها .. توقف هو عن الضرب إثر تلك الصرخة التي صدرت من الرضيع .. تمسك الأم بالرضيع .. ترفعه .. تهزه .. ليس هناك اي رد فعل أو أي علامة من علامات الحياة .. تصدر عنها صرخة قوية .. يفر هو هاربا ويتجمع الجيران على صرخة الأم .

ليلتها يرقد الطفل في القبر .. وينام الأب في النقطة ليتم تحويلة للنيابة ومن ثم المحكمة .

***

تسير الأم المتشحة بالسواد ، تضم يدها لصدرها تحمل الهواء الذي كان يحتله طفلها الرضيع سابقاً .. وبجوارها أمها المجبورة الذراع .. ووبجوارها من الجهة الأخرى يسير أخوها الأصغر والذي أصبح كبير العيلة بعد رحيل الأب .. أخوها الذي ما زال يخدم بالجيش منذ تسع سنوات حيث شارك في حرب 1967 (حرب الستة أيام أو النكسة) عندما خسرت مصر سيناء ولا يعلم متى ستكون الحرب التي ستعود فيها سيناء .. لم يكن أخوها موجود وقتما قتل زوجها إبنها الرضيع .. ولكنه الآن معها أثناء توجهها للمحكمة للمثول أمام القاضي لتقص عليه ما حدث لطفلها .

يسألها أخوها :

- هتقولي أيه للقاضي ؟
- هقوله اللي حصل .
- طيب لما جوزك يتسجن ، مين اللي هيأكل الثلاث عيال ؟

تصمت .. فيكمل أخوها الحديث :

- لو قلتي إن جوزك اللي ضرب الولد .. هيتسجن .. وولادك مش هتلاقي اللي يصرف عليهم ولا يربيهم .. لو أنا مكنتش في الجيش وكنت بشتغل مكنتش خليتك محتاجة حاجة .. وكنت انا اللي هصرف على ولادك .. لكن الجيش مش راضي يسيبني والله وحده أعلم إمتى هخلص جيشي .
- طيب إنت شايف أعمل أيه ؟
- قولي للقاضي ان جوزك كان بيضربك ، وإنتى بتجري منه ، ابنك وقع منك على الأرض .. وقع على راسه فمات .
- لكن أنا مش عاوزه أرجع له .. هخرجه من السجن .. بس لا يمكن أرجع له .

***

يقف الأب فى قفص الإتهام .. ينادي حاجب المحكمة على إسم المتهم .. ثم اسم الزوجة .. يطلب منها القاضي أن تقترب لتحكي ما حدث لإبنها الرضيع .. قصت عليه الحكاية التي نصحها أخوها بها .. فحكم القاضى ببراءة الزوج .. وخرج من السجن .. وعادت هي لبيت أمها .. لم يتم الطلاق كما أرادت .. ولكنها مكثت ببيت أمها ثلاث سنوات وعادت بعدها لبيت زوجها تحت ضغط المجتمع والأهل .. وإستمرت الحياة .






21 June 2014

الخبز الجاف


وصل القطار الذي استقليته من مدينتي إلى محطة رمسيس في تمام الساعة الخامسة مساءا .. وهذا كان الموعد المحدد بيننا .. أسرعت نحو مدخل المحطة كي أصل إلى سلم المترو حيث المكان المتفق عليه .. لم أجده هناك .. لم نكن بعد في عصر الهواتف المحمولة .. وقفت في انتظاره .. مر أكثر من نصف ساعة .. اشعر بالخوف والقلق .. انظر في وجوه الماريين علني أجده قادم هناك .. إكتشفت أن عقلي لم يحتفظ بصورته .. فقد كان لقائي الأول به لقاء عابر لم يستغرق 10 دقائق .. ولم تنطبع صورته في ذهني .

أبلغ من العمر ثمانية عشر عاماً .. ابحث عن الحب والحنان في حضن شخص من نفس جنسي .. ربما ليعوضني عن حنان لم أجده عند أبي .. 10 دقائق أخرى وسأنصرف عائداً من حيث أتيت .

- أسف حبيبي .. إتأخرت عليك؟

ألتفت لأجد رجل في منتصف الثلاثين من العمر .. إنه هو .. إبتسمت له ولم أجيبه بشئ .. يأخذني من يدي .. وأسير منصاعا لا أعرف إلى أين .

***

بجواري يقف في عربة المترو .. يقترب مني .. يعبر عن اشتياقه لي بصوت منخفض .. فقط ابتسم ولا أقوى على النظر له .. لا أدري كم مرة توقف المترو قبل أن نغادره .. نخرج من إحدى محطات المترو لأجد نفسي وسط سوق مزدحم بالبشر وبالخضروات والفاكهة .. يمسك يدي ويتخلل الزحام وأنا خلفه .

في إحدى عربات الميكروباص يدفعني ويجلس بجواري .. سألته : إلى أي مكان نحن ذاهبان ؟ أجابني ولكن اسم المكان لم يمكث في عقلي .. يقترب مني ثانية يخبرني أنه سيعطيني السعادة الليلة بلا حدود .. أبتسم له دون إجابة مني .. يبدو أنه مسرور بخجلي هذا .

ما يقارب الساعة ونحن لم نصل بعد للمكان الذي سيجمعنا سوياً .. بدأ الظلام يحل في الأفاق .. وستائر الخوف داخلي بدأت تغطي كل شئ .. وأخيراً وصلنا .

لا أدري أين نحن .. مكان يكسوه الظلام إلا قليل .. عمارات كثيرة حولنا ولكن لا أصوات ولا بشر .. ينقبض قلبي بشدة .. عقلي يسألني كيف ستعود ؟ ولكني لم أجد إجابة .. فسألته هو :

- إنني لا أدري كيف سأعود وحدي كل هذا الطريق .

أخبرني بأن لا أقلق وبأنه سوف يوصلني ولن يتركني أعود وحدي ولكن ليس الليلة بل غداً .. ينقبض قلبي للمرة الثانية .. وأتوقف عن السير قائلاً :

- ولكني لم أنوي المبيت عندك ولم أخبر أهلي أني سأتغيب للغد .

يسحبني من يدي .. محاولا تهدئتي .. راسماً لي كيف سنقضي الليل كله نرتشف الحب والسعادة سوياً .. شرحت له بأنني يجب أن اتصل هاتفياً بأهلي لأخبرهم بأنني سأنام الليلة عند أحد الأصدقاء .. فذهب بي لمحل بقالة به هاتف عمومي واتصلت بهم كي أطمئنهم .. ولكن من يطمئنني أنا ؟

***

يتحسس باب إحدي الشقق ليولج المفتاح بمكانه وانا أقف منتظرا في الظلام .. وينفتح الباب ويدخل هو لينير المصابيح ويناديني :

- إدخل .

دخلت لأجد مكانا خاليا من كل شىء ما عدا كرسيين أحدهما خشبي والأخر مغطي بجلد ممزق كان في الماضي جزء من طاقم انتريه .. وقطعة خشبية موضوعة بينهما تستخدم كمنضدة .

- إجلس .

قالها وهو يجلس على الكرسي الجلدي الممزق .. وجلست أنا على الآخر .. ثم نهض ودخل إحدى الغرف المظلمة وعاد بعد قليل بعد أن استبدل ملابسه أو بمعنى أدق تخلص من قميصه وبنطاله وعاد فقط بالملابس الداخلية .. سألني :

- هل أنت جائع ؟

لم أجيب عليه بالرغم من جوعي .. فانا لم أتناول شىء منذ الظهيرة .. شكرته .. لكنه لم ينتظر إجابتي ودخل مكان اخر اعتقد أنه المطبخ .. وسريعا عاد يحمل طبقاً ورغيفين من الخبز ووضعهم أمامي على تلك القطعة الخشبية التي تستخدم كمنضدة .. أعطاني رغيفاً وبدأ في كسر رغيفه .. كان الخبر جاف جدا وبدأ في طمس كسرات خبزه في الطبق الذي كان يحتوي على سائل بني اللون أعرفه إنه «المش» ذلك السائل الذي توضع به الجبن البيضاء كي تحفظ لمدة أطول وتصير الجبنة بلونها وتسمي «جبنة قديمة» .

- مش بتاكل ليه ؟

يسألني وهو يلوك لقيمات الخبز الجاف بين أسنانه .. تظاهرت بأنني أكل .. بالرغم من جوعي إلا أنني لم استطيع تناول أكثر من كسرتين وشكرته وتظاهرت بالشبع .. وسؤال يلح على عقلي .. نحن كنا منذ قليل عند محل البقالة .. لماذا لم يفكر في شراء اي شىء قابل للأكل طالما لا يوجد هنا ما يصلح للعشاء .. تمنيت لو اقترحت عليه ان ينزل لشراء طعام وأعطيه أنا النقود لذلك ولكني خفت أن يغضبه ذلك أو أن أجرح مشاعره .. بعدما فرغ من تناول رغيفة نهض ليعيد الطبق حيثما كان وسالني إن كنت أريد أن أحتسي شاي فأجابته بنعم .

***

نجلس أرضا في البلكونة المطلة على الظلام الممتد بعدما أعد كوبان من الشاي واشعل الراديو ونسمات من الهواء العليل مع صوت أم كلثوم الذي يصدح في هذا السكون :

«هات عينيك تسرح قي دنيتهم عينيه، هات ايديك ترتاح للمستهم ايديه .. يا حبيبي تعالى»

أخذني بحضنه بدأت أبكي .. عقلي لا يتوقف عن التفكير .. لماذا أنا هنا وأين أنا ؟؟ ماذا لو حدث لي مكروه هنا ؟؟ لن يعرف اهلي أين أنا .. من هذا الشخص الذي أنا بين يديه ؟؟ هل حقا يحبني كما يقول ؟؟ هو يفسر دموعي على أنها دموع سعادة .. ولكني أشعر بالرعب والخوف .

بدأت أشعر بالنعاس .. ليس نتيجة شعور بالأمان والراحة ولكنه كوسيلة للهروب من كل ما أنا فيه .. أخذني للداخل .. وفوق فراش مبسوط على الأرض مددني بعد أن جردني من كل ملابسي .. محاولات فاشلة في اقتحامي .. يزدادي شعوري بالنعاس ويزداد شعوره باليأس .

***

في الصباح استيقظ مبكرا .. بطني تؤلمني من الجوع .. اوقظه لكنه لا ينهض يخبرني ان اليوم أجازته .. أرتدي ملابس وادخل الحمام للمرة الأولي في هذا المكان .. اغسل وجهي واجلس على الكرسي الخشبي انتظره .. يمر الكثير من الوقت .. اوقظه مرة ثانية واطلب منه أن ينزل معي لشراء أي شئ أكله .. ينهض بتكاسل ويخبرني بأنه سيعد الطعام .

بعد خروجه من الحمام يحاول إثارتي جنسيا ويتحرش بي لكني أتخلص من ذلك :

- أرجوك أنا عايز أمشي .. انزل وصلني .

يتركني ويدخل المطبخ ويبدأ في إعداد الطعام .. يحاول تلطيف الجو بيننا .. يناديني .. المطبخ ليس به سوي موقد ومجموعة قليلة من الأطباق والأواني ولكنه مهتم بنظافتها .. يطلب مني مساعدته في إعداد الأرز .. أخبره بأنني أستطيع ان أطهوه وحدي .. فترك لي مهمة إعداده .. وخرج لا أعرف لأين وعاد بعد قليل ومعه قطعتين من لحم الدجاج .. سألته أين كان ؟ فأجاب بأنه كان عند الجيران يحضر منهم تلك القطعتين من الدحاج لأنه ليس لديه ثلاجة يحفظ بها هذه الأشياء .. رائحة الأرز أثناء طهوه زادت من احساسي بالجوع .. انتهيت من إعداد الأرز .. وانتهى هو من إعداد الدجاج .. قام بوضع الأرز في طبقين وفوقهم قطعتي الدجاج وخرج بهم حيث الكرسيين .. كان الوقت قد قارب الظهيرة .. تناولت طبقى كاملا .

طلبت منه أن أنصرف .. أرتدى قميصه وبنطاله وقادني للمكان الذي نزلنا به ليلة أمس من الميكروباص وتركني ومشى .. وقفت كثيرا في هذا المكان الشبه خالي من الناس حتى ظهر ميكروباص .. لا أتذكر كيف عدت إلى بيتي .




18 June 2013

حب في زمن الإخوان


عقلي : اخرج ، فلن يأتي الحب إليك وأنت جالس هنا في صومعتك .
قلبي : لا تخرج ، فتعود بجرح جديد .

صراع قائم داخلي منذ أمس ولم يحسم حتى الآن .. باقي ساعة واحدة ويكون هناك في مقر عمله .. افكر في الخروج والذهاب إليه كما وعدته .. قابلته مرة واحدة قبل هذا .. أعجبني .. لكني أخفيت مشاعري عنه حتى يظهر هو ما يدل على إعجابه بي .. لم يظهر شئ .. عدت حزيناً يومها .

« شخصيتك تمنع اي حد انه يبين مشاعره .. يعني حاجة اشبه بهيبة السلطان .. مش عارف يمكن عشان كنت متخيلك كده من قبل ما اكلمك اصلا ، فالاحساس متغيرش بعد ما كلمتك »

قررت الخروج .. أسير بإتجاهه .. أخرج الهاتف لأخبره بأنني في الطريق إليه .. لكن جموع من الناس تجري بالشارع مزعورين ومن بعيد أرى شباب يحملون أسلحة بيضاء وعصي وسلاسل حديدية .. لا أفهم ماذا يحدث .. ينتابني الرعب .. أسأل .

إنهم متظاهرون يطاردون أنصار الإخوان الذين قاموا بضرب الثوار المعتصمين سلمياً صباح اليوم بالأسلحة البيضاء والخرطوش .. وجاء هؤلاء الشباب للإنتقام من أنصار الإخوان .

علامة إستفهام كبيرة تعلوا رأسي : كيف يتعرفون على أنصار الإخوان من بين الناس ؟ هل هناك شئ يميزهم عن باقي الشعب ؟ أنظر لنفسي متسائلاً : هل أنا أبدو إخوانياً ؟

ملابسي لا تدل على إني متدين .. ذقني ليست حليقة .. دائما أهذبها ولكني لا أحلقها .. أرتدي نظارة طبية .. أحمل حقيبة صغيرة بها بعض أشيائي الهامة التي لا أستغني عنها .. بالطبع لا أبدو إخوانياً .. ولكن .. معي كتاباً يتحدث عن تاريخ الإسلام لأحد الشيوخ واسم سيد قطب على الغلاف ككاتب لمقدمة الكتاب .. ماذا أفعل بهذا الكتاب ؟

في تلك الأوقات ليس هناك وقت للشرح والتوضيح .. لا أحد يسمع في تلك الأوقات حيث العقول تكون مغيبة .. في الحقيقة هي مغيبة معظم الأوقات .. إن ما يحدث الآن هو أن عامة الشعب والغوغاء الذين تم خداعهم باسم الدين قد فاقوا على كابوس الحقيقة المرة وأدركوا أنهم تم خداعهم فجاء دورهم للإنتقام .. الإنتقام من هؤلاء مدعي الدين ومن كل شئ يحمل رمز الدين .. لا أحد يستطيع لومهم ومطالبتهم الآن بإن يفرقوا بين مدعي الدين والدين والمتدينين الحقيقيين لأنهم لو كانوا يدركوا هذا الفارق من البداية ما إستطاع أحد أن يخدعهم ويضحك عليهم باسم الدين .

لابد أن أخفي هذا الكتاب .. حمدا لله أن الكتاب صغير الحجم وتستطيع هذه الحقيبة أن تحتويه داخلها .

- بس ، بس ، يا أستاذ .

أنظر خلفي لأجد سيدة تقف أمام محل كبير .. تشير لي قائلة :

- لو سمحت ، إنت من حركة تمرد ؟
- لا . بس لو حضرتك عاوزة إستمارة ممكن أطبع لك .
- لا أنا مضيت فعلا .. أنا بس كنت هسألك أيه اللي بيحصل ؟

شرحت لها ما يحدث .. قالت لي :

- لو إحتاجتوا أي حاجة أنا هنا .. أنا صاحبة المكان .. ربنا معاكوا .

شكرتها .. بدأت أستجمع شجاعتي .. أخرجت هاتفي وبدأت أغرد على تويتر لأنقل ما يحدث أمامي للعالم .. بدأت في تصوير ما يحدث .. إن هؤلاء ليسوا الثوار التقليديين .. إن ما يحدث ليس كالمعتاد .. المطارادات إمتدت للمساجد والمستشفيات بحثاً عن فريسة من أنصار الإخوان .. لو وجدوا أحدهم في هذا الوقت لتحول إلى أشلاء .. ولكن جاء الإنتقام من محلات وسيارات لأشخاص ينتمون للتيارات الإسلامية .

بعد مرور ما يقرب من الساعتين ، بدأت الجموع تهدأ فقد أخرجوا غضبهم نحو النظام بهتافاتهم عبر الشوارع مع تأييد واضح من باقي الشعب الغير مشارك في التظاهرات والذين خرجوا يشاهدون ما يحدث .. إحدى السيدات خرجت لتلقي الحلوى على جموع الشباب كنوع من التأيد لهم ضد النظام الحالي .

تعبت أنا أيضا من السير .. إتصلت به لأخبره بأنني في الطريق إليه .. وجدته في إنتظاري .. حكيت له عما حدث لي خلال الساعتين الماضيتين .

كان مختلف قليلاً عن المرة السابقة .. سألته هل ما زال يهابني ؟ أجاب : لا .. تكلمنا كثيراً .. أخبرته عن المعاناة التي لقيتها من إقامة علاقة مع شخص بعيد عني في المكان .. المسافة تجعل العلاقة وكأنها حلم وليس واقع .. لا تشعر حقاً بالإشباع .. المشكلة أنني لا أجد أحد قريب مني .

سألني : ألم تجد أحد من هنا حتى الآن ؟

إبتسمت قائلاً : هل تقصد .. أنت ؟ أنا تعلم أني أريدك ولكنك لا تريدني .
- من قال ذلك ؟ أنا أيضا أريدك ولكنك تعرف أن الفترة الماضية كنت منشغل بدراستي وقبلها بمرضي .
- هل هذا معناه موافقتك على الإرتباط بي ؟
- طبعا .. لكن هذا ليس معناه .. أن نكون مع بعض الآن .
- خذ وقتك .. لا داعي للعجلة .. ولكن لابد أن تبدأ علاقتنا قبل 30 يونيو .

يضحك .. فأضع يدي على كتفه قائلاً له :
« مش هتجيب بوسة بقى ؟ »








05 November 2010

الفرار إليه .. قصة قصيرة


زحام شديد .. أناس كثيرون من حوله .. لكن كل ذلك أصبح بالنسبة له أشباح أو ربما صور متحركة على شاشة عرض كبيرة .. و هو هناك مجرد مشاهد .. غير مشارك فيما يراه .. لا شئ يستطيع جذبه من وحدته تلك ليصير جزءاً من هذا العالم الأخر الذي يشاهده دون اكتراث .

فوق مقعد بجوار النافذة بقطار الجنوب يجلس وحيداً محاولاً القراءة لكن دون فائدة .. عيناه تلتهم السطور و الكلمات لتلقي بهما خارج العقل .. يبدو أن العقل أغلق موانيه و أعلن عدم ترحيبه بقدوم أي شئ إليه .. لا يستطيع النوم أيضاً .. ينظر خارج النافذة يراقف الأنوار البعيدة سريعة الحركة و الزوال و التى تبدو كنجوم في هذا الليل الحالك .

يصل للمكان المنشود الذي يطأه للمرة الأولى .. يشعر بالدفء .. درجة حرارة القطار أقل من الخارج بكثير .. محطة القطار شبه خاوية من البشر .. ربما لأن الوقت ليلاً .. ينتظر قدوم صديقه .. يهاتفه .. يخبره أنه في الطريق إليه .. يحاول مسح تفاصيل المكان من حوله بعينيه .. ليس هناك إختلافات كثيرة عن مدينته .. كل الأماكن تتشابه .. يفكر في لقاء صديقه المنتظر .. كيف سيقابله صديقه و كيف سيحكى له تفاصيل المشكلة .. لا يقوى على السرد .. يتمنى ألا يسبب له هذا اللقاء آلماً فوق ما يحمله الآن .

يأخذه صديقه في حضن طويل .. تمتلأ عيناه دموعاً .. و يمتلأ وجه صديقه إبتساماً .. يستوقف صديقه عربة و يصلا لبيته .. لا يقوى هو على الكلام .. لكن صديقه يخفف عنه و يبث داخله الثقة .. و أن ما يمر به ليس بشئ .


في تلك المدينة البعيدة عن مدينته .. التى جاء إليها هرباً من مشكلاته و أحزانه و خوفه الذي أفقده الاحساس بالغربة .. الغربة التي شعر بها و هو في حجرته ببيته .. بيته الذى تربى و كبر و عاش فيه كل سنوات عمره .. لم تعد الغربة في المكان تشكل أي مشكلة بالنسبة له .. جاء إليه بحثاُ عن الأمان الذي يشعر به دائماً عندما يكون بجواره .

بعد منتصف الليل بقليل .. يسير هو و صديقه سوياً في شوارع تلك المدينة الهادئة .. نسمات من الهواء العليل تهب محاولة مسح الحزن و الألم عنهما .. يستنشق أكبر قدر من الهواء البارد .. يتجه الاثنان نحو شاطىء النيل .. تنتشر رائحة الذرة المشوي في الهواء .. يشترى له صديقه واحداً لانه لا يحب الذرة .. يختارا مكاناً بعيداً عن الأضواء .. يجلسا سوياً منصتين لأصالة و هى تشدو .. انتهينا م العتاب .

يستلقى على ظهره .. ناظراً للسماء حيث النجوم المتلألئه .. يطلب منه صديقه أن يتوسد فخذه .. ينظر للسماء و لوجه صديقه ثم يبتسم .. يغمض عينيه عندما يتذكر مشكلته .. تتلاشى الابتسامه .. يحاول طرد أشباح الخوف من تفكيره .. لكنه لا ينجح .. تتملكه الأفكار المرعبة و الخوف الذي جعل قلبه كعصفور يحاول الفرار من صدره و كأن هناك من يحاول الامساك به و قتله .

تفر دمعتان ساخنتين من عينيه .. يعترف أمام نفسه و أمام صديقه أنه مذنب و أنه يتحمل جزء كبير من مسئولية الجرم الذي أُرتكب في حقه .. و أن برائته في التعامل مع الأخرين هي المتهم الأول في وقوع تلك الجريمة .. حيث انعدمت الأخلاق و انحطت خصال الناس لأقصى الحدود .. و يجب على الانسان ان يفكر مليون مرة قبل ان ينظر او يتفوه بكلمه لأي انسان .. حيث لم تعد المظاهر الخارجية تدل على الباطن الحقيقي للناس .. فقد تحطمت التابوهات القديمة للشر و الشررين .. و أصبحوا يرتدون ثياب الملائكة المطرزة بالأخلاق الحميدة .. و يخلعونها عند الهجوم حيث تظهر حقيقتهم البشعة الحقيرة .

يقبل يد صديقه لأنه سامحه و غفر له و أنه ما زال هنا بجواره و لم يتخلى عنه .. يطلب منه صديقه أن يهدأ و لا يفكر كثيراً .. فيجيبه بالايجاب طالباً منه أن يضع يده فوق قلبه ليهدىء من روعه .. يمد صديقه يده واضعاً إياها فوق قلبه المرتجف .. يشعر بدفء رهيب يسري من يد صديقه إلى قلبه المرتجف .. فيشعر بخدر لم يشعر به قبل الآن .. لا يعتقد أن مسكنات العالم قد يكون لها هذا التأثير القوي و الفوري .. تصدر منه أهه رغماً عنه ممزوجة بدموع دافئة تسيل على خده .. ينظر لصديقه دون كلام .. يتمنى أن تبقى يده تلك فوق قلبه للأبد .. يهدأ القلب لدرجة أنه يعتقد أنه توقف تماماً عن الحركة .. يتمنى أن يتوقف الزمن عند هذه اللحظة .


أنا و انت ظلمنا الحب
هوا يا هوا

17 June 2010

قبل الآن بثلاثة أيام .. قصة قصيرة


الآن:

وحيداً.. شارد الفكر.. يجلس في إحدى عربات القطار المكيف المتجه نحو مدينة ما بعيدة عن مدينته ناشداً الأمان. يحاول التغلب على شروده وتفكيره بمحاولة يائسة لقراءة أحد كتبه التي اصطحبها معه، لكن دون جدوى. لم تفلح تلك الحيلة هذه المرة. يشعر ببرودة تسري في جسده النحيل. ليس التكييف المسؤول عن هذه البرودة الداخلية التي يعانيها؛ فالجو في الخارج أغسطسيّ شديد الحرارة، بينما الجوّ في داخله شتوي قارص البرودة ملبد بالغيوم. يعرف هو السبب جيدًا: إنه الخوف.

قبل الآن بسبعة أيام:

“أعتقد أنني قابلتك قبل هذا”- هكذا بدأ الآخر كلامه معه. يلتفت إليه شادي محاولاً البحث عن هذا الوجه في ثنايا ذاكرته الضعيفة نوعاً ما في تذكر الأسماء، القوية في تذكر الملامح والوجوه، لكنه لم يجده هناك. كان الآخر رجلاً أربعينيًا ذا بناء جسدي قويّ، شبابي الملبس. لم ينجح شادي في إعطاء التقدير العمرى الصحيح له حيث يبدو مظهره الخارجي أصغر من عمره الحقيقي.

“لا أعتقد أنني قابلتك قبل هذا”- هكذا أجابه شادي.

يدور بينهما حوار قصير عادي في لقائهما الأول كغريبين، حيث جمعتهما الصدفة سويًا في هذا المكان. يبدي الآخر إعجابه الشديد بأخلاق شادي وبأدبه في الحوار. يحمرّ وجهه كالعادة عندما يمدحه شخص آخر. يشكره.

الآن:

يزداد إحساسه بالبرودة. يحاول أن يبتعد بتفكيره عن هذا اللقاء وهذا الشخص. يحاول أن يشغل نفسه بمشاهدة الناس المحيطين به في هذا القطار، لكنه لا يستطيع ذلك. فالمقاعد المرتفعة تحجب الرؤية واصطفاف المقاعد في اتجاه واحد بخلاف القطارات العادية التي تتقابل المقاعد في شكل مربعات تسمح بتلاقي الركاب وجها لوجه. كلّ هذا لم يعطِه أية فرصة للانشغال عن ذاته. حتى المقعد المجاور له يجلس فيه طفل صغير في الثامنة من عمره نائم منذ البداية. متدثر بغطاء يعتقد انه يخصّ أمه التي تجلس في الصفّ المقابل لهما.

قبل الآن بثلاثة أيام:

يعود إلى حجرته. يحمل كوبيْن من عصير البرتقال. الآخر هناك يجلس أمام الكمبيوتر يتصفح موقعًا للأفلام الإباحية. يقدم شادي له العصير. يجلس بجواره. تبدو على وجهه علامات الدهشة. يسأله الآخر إذا كانت هناك مشكلة في تصفح هذه المواقع. يجيبه شادي بأنه ليس هناك مشكلة ولكنه مندهش لأنّ الآخر متزوج وبالتأكيد لا يحتاج لهذا النوع من المتعة. يجيب الآخر بأنها مجرد تسلية.

الآن:

يزاد الإحساس بالبرودة داخله. تصطك أسنانه. يرتجف جسده. يخاف أن يشعر به الآخرون من حوله. يحمد الله أنّ من بجواره طفل ونائم. يفتح حقيبته ويخرج منها تيشرت. يرتديه سريعاً فوق ملابسه الأخرى متمنيًا أن يتخلص من هذا البرد الرهيب.

قبل الآن بثلاثة أيام:

يسأله الآخر عمّا إذا كان هناك أحد في البيت غيره. يندهش لسؤاله لكنه يجيب بأنّ أمه هناك ولكنها نائمة وأخوه في حجرته. يطلب منه الآخر كوبًا من الماء لأنه يشعر بالظمأ. ينهض ليحضر له الماء. عندما عاد وجده يمارس العادة السرية. يتجنب النظر له ويسأله عما يفعل. يجيبه بأنه يشعر بالإثارة الشديدة وبأنّ هذا شيء عادي يفعله كل الرجال. يسأله الآخر إن كان يفعل ذلك. يجيبه شادي “أحيانًا”. يجلس بجواره غير قادر على التفكير في ردّ الفعل المناسب الذي يجب أن يقوم به تجاه هذا الموقف. يسأله الآخر عن سبب هذا الارتباك الواضح عليه واحمرار وجهه الشديد ولماذا يتجنب النظر إليه. لا يعرف شادي بمَ يجيب. يصمت.

“أيه يا ابني إنتَ مش راجل و لا أيه؟” قال الآخر. يغضب شادي قائلاً:

“طبعا راجل”.

يكمل الآخر بهدوء: “طيب فك بنطلونك وتعامل”.

الآن:

يمرّ عامل البوفيه بعربته التي تحمل المشروبات الساخنة والباردة وزجاجات مياه وبعض الحلوى. يطلب منه شادي كوباً من الشاي. يمسكه بين يديه. يضغط عليه بقوة محاولاً امتصاص أكبر قدر من الحرارة التي قد تساعده على التخلص من تلك الرجفة التي بدأت تزداد حدّتها مع مرور الوقت.

قبل الآن بثلاثة أيام:

ينهض شادي قائلاً له إنه سيبقى بالخارج حتى يفرغ الآخر مما يفعله. يمسكه الآخر من ذراعه طالباً منه أن يمكث بجواره. يصر الآخر على طلبه معللاً ذلك بأنه سيخبره بشيء هام. يسأله شادي مندهشاً أي شيء هام؟ يجذبه الآخر من ذراعه ليجلس فيجلس بجواره منتظراً هذا الشيء الذي شعر شادي بأنه شيء خطير. قال الآخر بأنه يعرفه قبل لقائه الأول به ويعرف كل شيء عنه. ينقبض قلب شادي الذي أجاب مستفسراً ماذا يقصد بكلامه وعن أيّ شيء يتحدث.

أخبره الآخر بأنه يعرف أنه مثلي الجنس ويعرف قصته مع “عمرو”، صديقه السابق. تندفع آلاف الأفكار في عقل شادي للدرجة التي يتوقف العقل عندها عن التفكير. تحدث له تلك الحالة -التي لا يعرف وصفها العلميّ- عند ازدحام العقل بالأفكار وعند الخوف. وقتها لا يكون هناك أيّ ردّ فعل منه تجاه الموقف الذي يمر به. يستغل الآخر هذه الحالة، يقف الآخر يأخذه من يديه نحو السرير، يحتضنه. يحاول شادي دفعه.. لا يستطيع. يخبره الآخر وهو يلتهمه بأنه يحبه وبأنه لن يفضحه ولن يخبر أخاه الذي يعرفه جيدًا. ترفرف فوقه أشباح الخوف والرعب من الفضيحة. أصبح عقله مشلولاً وجسده مسلوبَ الإرادة وكأنه يقف هناك يشاهد مشهد اغتصاب جسد ليس بجسده. يفقد القدرة على المقاومة. يقتحمه. يبكي –دون صوت– من الألم ومن الخوف. ينتهي الآخر. يتركه. ينهض.

الآن:

ينهض من مقعده متجها إلى آخر العربة –تلك المنطقة التي تقع بين العربات والتي لا يوجد فيها تكييف– حيث زادت حدة الرعشة في جسده ويخشى على قلبه من التوقف. يتمنى أن تتنقل تلك الحرارة الشديدة في تلك المنطقة لجسده.

قبل الآن بيوميْن:

يرن جرس الهاتف المحمول. إنه الآخر. يجيب عليه طالباً منه أن يبتعد عنه و أن يتركه في حاله وأن ينساه للأبد. يضحك الآخر. تتغير لهجته. يسقط القناع الذي كان يرتديه. يوافق على طلبه في مقابل أن يعطيه مبلغ 500 جنيه مقابل ابتعاده عنه وصمته وعدم إخبار أهله بأنه مثليّ الجنس. يغلق شادي الهاتف من دون أن يعلق على كلامه. يبكي. يتصل الآخر مرة ثانية وثالثة. لا يجيب عليه. يرسل الآخر له برسالة على الهاتف يهدده بأنه سوف يأتي لبيته الآن إذا لم يردّ عليه. يجيب على اتصاله. يُسمعه كلمات سباب وشتائم لم يسمعها قبل هذا كعقاب له لأنه أغلق الهاتف في وجهه. لا يجيب. يهدده إذا لم يحضر له النقود خلال يومين فسوف يأتي إليه مصطحباً مجموعة من أصدقائه ليمارسوا الجنس معه وإذا امتنع فسوف يقومون بفضحه أمام أهله والجيران. يغلق الهاتف تماماً وينهار وتنهار الدنيا من حوله.

الآن:

ما زال واقفاً هناك في منطقة اللاتكيف، وحيداً يبكي. يستعيد جسده الدفء قليلاً. يلج إلى حمام القطار يغسل وجهه بالماء. يخرج يقف قليلاً. يتأكد بأنه أصبح في حال أفضل. يفتح باب العربة ليعود لمقعده مرة أخرى.

يرنّ هاتفه المحمول. الآخر يتصل به. ينسحب الدفء من جسده مرة واحدة. يرتجف. يغضب من ذاته الضعيفة. يحاول التماسك رغماً عن الارتعاشة التي تملكته. يقاوم. يحاول تنفيذ الخطة المتفق عليها والتي نصحه صديق عزيز عليه –يعمل محاميًا– بتنفيذها مع هذا الآخر المجرم بعدما حكى له تفاصيل المشكلة الواقع بها. يتماسك. يرد عليه. يسأله الآخر عما اذا كان جهز النقود كي يخبره بالمكان الذي سيقابله به ليأخذها منه. يخبره بأنه لم يجهز شيئًا. يحاول أن يرسم القوة في صوته. لا يعبأ بمن حوله. يبدأ الآخر بالسباب والتهديد. يحاول أن يبدو غير مهتم. يحاول أن يقلب الموازين ضده في الوقت الذي كاد قلبه أن يقفز للخارج من قوة ضرباته في صدره. يخبره بأنه حكى الموضوع لصديق له “عقيد بالشرطة” والذي طلب منه أن يأتي إليه ليحرر له بلاغًا بسرقة النقود التي كانت بدرج المكتب أثناء زيارته له بالبيت منذ ثلاثة أيام.. وسيكون أيّ اتهام له وقتها بالشذوذ ما هو إلا وسيلة للدفاع عن النفس أو للانتقام منه. مجرد سباب يقال بين كل خصمين.

قال كل هذا الكلام وهو يكاد يتجمد من البرد والرعشة. لم يهتم بمن حوله وما هي انطباعاتهم عنه او ماذا فهموا من كلامه مع الآخر. المهم هو ردّ فعل الآخر الذي أغلق الهاتف دون تعليق من جانبه على ما قاله شادي.

يبكي بعد الانتهاء من المكالمة. يقوم مرة أخرى سريعاً نحو منطقة اللاتكييف باحثاً عن الدفء.




05 February 2010

الدميتين



هناك فوق تلال القلب الخضراء
سأحفر حفرتين
و سأصنع شاهدين
مكتوب فوق الأول
" يرقد هنا جثمان أكثر انسان أحببته في العالم "

و سأكتب فوق الشاهد الأخر :
" يرقد هنا جثمان أكثر انسان أحبني في العالم "

و سأصنع لكل منهما دمية
و سأدفنها هناك في الحفرة المخصصة لها

ربما أستطيع بعدها أن أواصل الحياة
بعيداً عنهم
بعد التخلص من ذكرياتي معهم

و إن لم أستطع
سأحفر الحفرة الثالثة بينهم
و سأضع بها قلبي.

==========




28 January 2010

المجنون الصامت عن الكلام


أغلق الكتاب الذي بيدي .. لم تنجح محاولاتي في متابعة القراءة به .. أشعر بدوار .. ربما لأنني لم أتناول الفطور بعد .. أحاول التماسك حتى الوصول للبيت .. أسند رأسي على النافذة التي بجواري .. مقاعد تلك العربة قصيرة و ضيقة و غير مريحة .. لم تتحرك العربة بعد في انتظار إكتمال مقاعدها بالركاب .. نسيت أن اليوم عطلة رسمية .. فخرجت للعمل مبكراً و ها أنا عائد للبيت مرة أخرى .

أشغل نفسي بمراقبة الأخرين السائرين في الشارع في هذا الجو البارد .. تأتي من بعيد بخطوات سريعة تلتفت حولها يميناً و شمالاً ترتسم على وجهها إبتسامة غير موجه لأحد .. مشيتها ووجهها أقرب للرجال منها للنساء .. سرعتها في المشي لا تتناسب مطلقاً مع سنها الذي رسم خطوطه العريضة على وجهها المجعد .. تتحدث مع شخص أعتقد أنه التابع و بقفزات سريعة تدخل العربة .. رثة الثياب .. أتمنى ألا تجلس بجواري .. يبدو أنها سمعت أمنيتي فحققتها لي بشكل معاكس .. ألقت بنفسها على المقعد المجاور لي .. و أخذت تحدق بي .. لم أنظر إليها .. ربما أرادت أن تخرج لي لسانها عقاباً لي على أمنيتي السخيفة .

كانت دائمة الحركة .. غير مستقرة في جلستها .. يبدو أنها تحاول لفت إنتباهي .. أتجاهلها .. تفقد الأمل في ذلك .. فبدأت تلتفت حولها للفت انتباه الأخرين .

- أين السائق ؟ لقد أكتملت العربة .

هكذا صاح أحد الركاب .. تكرر العجوز تلك الجملة مرة أخري بصوتها الحاد المزعج .. يدخل السائق العربة على وجهه علامات الغضب .. يخرج من فمه أصوات غير مفهومة أعاق خروجها ذلك الطعام الذي يلوكه بين فكيه و الذي أزاده بما بقى في يده من طعام .. تنشب مشادة كلامية بين السائق و تابعه الذي قطع عليه لحظات استمتاعه بتناول الفطور .. تقف العجوز ملوحه بيديها لهم معربه عن استيائها من هذا الشجار و لكن أدائها كان مسرحي ساخر مثير للضحك .. لم يعبأ بها لا السائق و لا تابعه و لم يتدخل غيرها من الركاب .. تميل نحوي طالبه منى التدخل حيث أنهم سيخجلون مني .. أبتسم تعليقاً على كلامها دون النظر إليها حيث لم أكن قادراُ على الكلام .

يرتفع صوت محرك العربة معلناً نهاية الشجار و بداية الرحلة .. و بداية إرسال برنامج من الحياة الذي ستقدمه السيدة العجوز من المقعد المجاور لي .. يبدو أن رغبتها في الكلام كانت جامحة حيث أنطلقت تحكي قصة حياتها و مغامرتها الغير مترابطة و التي كانت تستقي بدايتها من أشياء حولها قد تذكرها بحكاية أو موقف حدث لها في الماضي .

لم أكن أنصت لها بوعي كامل و أعتقد أنها أيضا لم تكن تتحدث لي وحدي .. صوتها - على الرغم من ارتفاعه - لم يصل لي بشكل قوي .. يبدو أن ارسالها كان مشوش .. لم أعرف من أين بدأت الحكاية و لكنها بدأت و لم تتوقف .

أول ما لفت انتباهي في كلامها هي حكايتها مع أرغفة العيش التي سرقتها و تلك السنوات الثلاث التي سُجنتها .. يبدو أن الباعث على هذه الذكري ذلك الفرن الذي مرت العربة من أمامه و طابور البشر الطويل أمام الفرن .. تنتقل لحكاية أختها و ابنها الذي جُرح في أذنه و رفض أختها بالسماح لها بحمل إبنها و الشجار الدائم بين اختها مع زوجها .. لا أعرف الباعث خلف تلك الحكاية .. ثم تحكي عن مطاردة كانت هي بطلتها و تسلقها لأسوار و قفزها من فوق أسطح .

أتسائل هل يدرك الانسان عندما يصاب بالجنون أنه مجنون ؟ ماذا يكون رد فعله عندما يدرك ذلك ؟ أعتقد أن عدم إدراكه رحمه له .. أتذكر الكاتبة الرائعة " فرجينيا وولف " و قصة انتحارها عندما شعرت أنها مقبلة على مرحلة الجنون فأنهت حياتها في النهر المجاور لبيتها الريفي بعد أن ملأت جيوب معطفها بالحجارة .. فعلت ذلك حتى لا تفسد حياة زوجها الذي أحبته و الذي ساندها كثيراً طول مشوار حياتهم .

أعود مرة أخري للعجوز .. أجدها تحكي عن مسحها سلالم أحد البيوت مقابل عشرة جنيهات .

ما هي الاسباب التي تدفع بالانسان للجنون ؟ هل الخوف ؟ هل الحزن ؟ هل الوحدة ؟ اعتقد ان كل هذه الاسباب قد تؤدي إلي الاكتئاب و الاكتئاب قد يؤدي إلي الجنون .. كل هذه الأشياء متوفرة لدي الآن و أشعر بها .. هل ممكن أن أصاب بالجنون ؟ ربما .. هل سأكون ثرثاراً مثل تلك العجوز ؟ أعتقد لا .. فأنا أقرب للصمت كثيراً .. المجنون الصامت عن الكلام .. أعتقد أن هذا أفضل كثيراً من الثرثرة .

تنخذني العجوز بذراعي .. ألتفت إليها .. تشير بذراعها نحو بعض الجنود الواقفين أمام أحدي المصالح الحكومية لحراستها .. تصيح بفرحة غامرة ها هي الحكومة تنظر لنا .. تنهض سريعاً من مكانها تستوقف السائق كي تنزل هنا .. تصيح بأنها ستخبر الحكومة بأنها فقيرة ليس لديها طعام .. تكمل بأنها واثقة بأن الحكومة سوف تطعمها .. بقفزات سريعة نزلت من العربة .. أنظر حولي أجد كل العيون تنظر لها .. لا أحد يبتسم و لا أحد حزين .. كل الوجوه خالية من كل التعبيرات .

أسند رأسي مرة ثانية على النافذة .. أفكر فيّ و في المجنون الصامت عن الكلام .






12 January 2010

العنكبوت .. قصة قصيرة


" اقتربي منى يا حبيبتي .. فهذا البيت الحريري صنعته من أجلك .. لكِ وحدكِ دون منازع .. سأجعلك أميرة و ربة هذا البيت .. سأحبك حباً لم و لن تجديه مع غيري .. فأنا لست مثل باقي من عشقتيهم ." قال لها تلك الكلمات بنعومة بالغة .

تنساق الفراشة مغيبة الوعى خلفه .. يجرها بخيط رفيع جداً ناعم الملمس و خيط أخر غير مرئي يخرج مع كلماته الساحرة حتى وصلا الإثنان لبيته الحريري .. تلقي نفسها داخل البيت .. يرفرف جناحيها من السعادة .

" أخرجي يا مجنونة .. ماذا تفعلين .. ألا تبصرين أين أنتِ ؟ " هكذا صاحت صديقاتها و لكنها أجابت عليهم " نعم أري البيت الحريري الناعم .. أنه يحبني .. يمطرني بكلمات الحب و العشق التى حُرمت منها . "

يقرب منها يأخذها بين أذرعه الثمانية يلفها بخيوط من حرير .. تزداد فرحتها و يقترب من جسدها تشعر بوخزة طفيفة يتبعها إحساس بالخدر يسري بجسدها .. تتقزز من شكل أذرعه الثمانية .. و لكنها تتغاضى عن هذا .. تغمض عينها عنه محاولة الاستمتاع بما لديها من مشاعر .

تصرخ صديقاتها " ألا تفهمين ما يحدث لك .. إنك مُقيدة .. لستِ حرة .. أنتِ واهمة بالسعادة " تجيب الفراشة " نعم لست قادرة على تحريك زراعي .. أشعر أيضا بلزوجة من حولي و لكن .. و لكنه يحبني ."

يصيح بها العنكبوت " ابتعدي عن هؤلاء الأشرار أنهم حاقدون عليكي يغيرون منك .. إهتمامكِ بهم يُنقص إهتمامكِ بي و أنا لا أريد أن ينشغل عقلك بغيري " تجيب عليه حائرة " إنهم أصدقائي و لو ابتعدت عنهم سأصير وحيدة و ستكون الحياة صعبة "
يقترب منها يضمها إليه يعيد نسج خيوطه حولها " أنتِ أميرتي الوحيدة في بيتي الحريري .. اذا أردتي أن تتحدثي فلتتحدثي معي أنا فأنا كل شيء لكِ و أنت كل شيء لي " تجيب متسائلة " و لكن لديك الكثير من الأصدقاء لماذا إذا تريد أن تجعلني وحيدة ؟ " يجيبها بحدة "أصدقائي ليسوا مثل أصدقائك " و يقترب منها أكثر و تغمض الفراشة عيناها و تشعر بالوخز و لكنها لا تتمرد .. فقط تتلوى بين أذرعه الثمانية .

و تمر الأيام .. و تذبل الفراشة و تصاب بالوهن و الحزن و الإكتئاب و الوحدة القاتلة .. لم يعد هناك أصدقاء لها .. لم يعد هذا البيت الحريري مكان للراحة كما كانت تتخيل في البداية .. أصبح تعامله معها سيء جداً و كثيراُ ما أهانها و جرحها بكلماته و لكنها كانت تصفح و تنسى و تسامح .. و يعيد نسج خيوطه من حولها من جديد .. و لكنها سأمت كل هذا حتى أنها لم تعد تشعر بالسعادة في كل مرة ينسج خيوطه من حولها .. حتى قررت أن تقطع تلك الخيوط الحريرية و تخرج من هذا البيت .. و جدت صعوبة في البداية و لكنها فعلت .

لم تستطع الطيران بعد خروجها من البيت كسابق عهدها .. فقد وهن جناحاها و لم يستطيعا أن يحملاها لتحلق في الهواء .. إكتشفت أنها لم تخرج من هذا البيت سليمة .. بل يملأها الكثير و الكثير من الجروح .. و رغم كل هذا إلا أنها لم تستطع الصمود بعيداً عنه لفترة طويلة .. وجدت الحنين يجرفها مرة ثانية له و لبيته الحريري .. قررت أن تعود مرة ثانية إليه .

من بعيد تمشي نحو البيت الحريري تجر آلامها ووهنها .. ترفع رأسها لتنظر للبيت الذي نامت به شهوراً طويلة .. و كانت المفاجأة التي صدمتها و شلتها عن الحركة حيث وجدت فراشات كثيرة هناك ملفوفات بالحرير نائمات معلقات غائبات عن الوعي مثلما كانت هي هناك .. سابحات في الإحساس الزائف باللذة و النشوة و الخدر .. و وجدته هناك .. يلف إحداهن بأذرعه الثمانية يقص عليها تلك الكلمات التي كان يقولها لها دائماً " اقتربي منى يا حبيبتي .. فهذا البيت الحريري صنعته من أجلك .. لكِ وحدكِ دون منازع .. سأجعلك أميرة و ربة هذا البيت .. سأحبك حباً لم و لن تجديه مع غيري .. فأنا لست مثل باقي من عشقتيهم ."






19 December 2009

العجوز .. قصة قصيرة

في إحدى مقاهي القاهرة الشعبية و التي يلجأ إليها الكثير من الرجال و الشباب المصريين للجلوس هناك هروباً من حرارة بيوتهم المرتفعة و من مشاكلهم المتعددة مثل إرتفاع أسعار تكاليف الحياة و المشاحنات الدائمة بين الأزواج و الزوجات و التي غالباً ما تكون اسبابها مادية أيضا و مشاكل الأبناء و متطالباتهم و البطالة و عدم وجود فرص عمل للشباب فلا يجدوا أمامهم ملاذا سوى المقهى حيث أصبحت البيوت المصرية طارده لسكانها.

يحمل نادل المقهي كوباً من الشاي في يد و شيشه في اليد الأخري و يسير بسرعة فائقة و بمهارة أشبه بلاعبين السيرك دون أن يُسقط أي مما تحمله يداه و يتجه خارج القهوة حيث يجلس أحد الزبائن الدائمين و هو رجل في الخامسة و الأربعين من العمر .. من ملابسه البسيطة تستطيع أن تحدد مستواه الاجتماعي و الطبقة التي ينتمي إليها غالبية الشعب المصري الآن و التي تسمى حالياً محدودي الدخل و التي كانت في الماضى تدعى الطبقة المتوسطة و لكن مع مرور الوقت بدات تتنازل عن موقعها متجه للطبقة التي أسفها لتلتحم بها و يصيروا مزيج موحد يضم غالبية الشعب المصري .. يضع النادل الشاي أمام الرجل قائلاً :

- شايك يا عم إبراهيم و أدي الشيشة كمان .. أي خدمة تاني ؟
- شكراً يا على.
- صحيح يا عم إبراهيم .. هو إبنك سامح لقي شغل و لا لسه؟
- والله لسه كل يوم ينزل يلف و يقدم في أماكن كتير و أدي وش الضيف .. البلد مبقاش فيها شغل.
- طب ماتنزله معاك الورشة بدل القاعدة دي.
- يعني بعد كل السنين اللي قضاها في التعليم دي و الفلوس اللي صرفتها عليه في الأخر يشتغل عامل في ورشة ؟ ما أنا كنت وفرت كل ده و نزلته يشتغل معايا من بدري كان زمانه بقى أسطى كبير و كان زمانه كون نفسه و أتجوز كمان.
- أقولك أيه يا عم إبراهيم البلد بقى حالها صعب قوي .. يلا ربنا معاه.

يهز عم ابراهيم رأسه مؤيداً كلام النادل الذي إنصرف سريعاً إثر سماعه صوت أحد الزبائن يطلبه .. و يبدأ عم إبراهيم في سحب دخان الشيشه مغمضاً عينيه و يحتبس الدخان داخله قليلاً ثم يقوم بطرد الدخان من صدره راجياً أن يخرج هذا الدخان محملاً بهمومه و مشاكله التي ينؤ بها صدره حتى يهدأ و ينسى كل المشكلات التى جاء هنا هرباً منها.

و لكن يبدو أن هذا الرجاء مجرد وهم فما زال عقله مشغول بهمومه و مشكلاته حتى يقطع تفكيره هذا دخول رجل في السبعين من عمره للمقهى كان الرجل طويل القامة و لكنه نحيل الجسد محنى الظهر يسير ببطء و هناك رعشة طفيفة في أطرافه و يرتدي ملابس متناسقة الألوان يجلس على إحدى المقاعد القريبة من مدخل القهوة .. ينظر إليه إبراهيم بتركيز شديد .. حيث يعتقد أنه يعرفه .. يأتي النادل إلي الرجل العجوز يسأله ماذا يريد أن يشرب .. يجيبه العجوز: قهوة مضبوط .. يخبط إبراهيم جبهته قائلاً: المعلم كامل!!!


***

منذ أكثر من خمسة و عشرين عاماً بمصر القديمة حيث عاش ابراهيم شبابه تملائه الحيوية و النشاط و الاقبال على الحياة .. كان ككل الشباب يهتم بملبسه و مظهره يملأ وجهه ابتسامة مميزة .. جلس ابراهيم على مقهي السنارية و قبل أن ينادي النادل وجده أمامه يقدم له  كوباً من الشاي قائلاً له :

- المعلم كامل بيمسي عليك

ينظر إبراهيم في الاتجاه الذي أشار إليه النادل ليجد رجل في الاربعين من عمره يجلس مع أصدقائه يلعبون الدومينو ينظر المعلم كامل باتجاه إبراهيم و يحيه بانحنائه طفيفة برأسه فيرفع ابراهيم يديه شاكراً المعلم على الشاي و التحية التي أرسلها له .. يمسك إبراهيم بكوب الشاي سعيداً فرحاً تملائه الثقة بالنفس و إحساسه بأنه أصبح شخص مميز يحاول الأخرون التودد إليه و التعرف به.

تكرر هذا الموقف كثيراً .. كلما جاء إبراهيم للجلوس على هذا المقهي و يتصادف وجود المعلم كامل هناك كان يرسل له تحيات كثيرة و كل مرة كان إبراهيم يزداد فخراً بنفسه .

و ذات يوم جاء إبراهيم مصطحباً مجموعة من أصدقائه للجلوس سوياً على المقهي .. فجاء النادل حاملاً أكواب الشاي فقالوا الشباب بأنهم لم يطلبوا شىء بعد .. فأجابهم النادل بأنها تحية المعلم كامل لإبراهيم فإنتفخ إبراهيم بين زملائه مستعرضاً نفسه بأنه أصبح أهم شخصية بينهم .. فنظر له أحد الأصدقاء ضاحكاً:

- انت وصلت يا حلو؟
- أيوة يا ابني مش أي حد .. الناس كلها بتتقرب ليا علشان يعرفوني.

إزداد ضحك زميله ثم قال:

- انت تعرف المعلم كامل ده؟
- أيوة طبعاً أعرفه.
- تعرف انه خول و بتاع عيال ؟

إنصدم إبراهيم و ارتسمت على وجهه علامات الزهول ثم قال منفعلاً و كانه ينفي التهمة عن نفسه هو:

- لاء طبعا معرفش.
- أديك عرفت يا حلو .. اشرب الشاي بقى.

و ضحكوا جميعاً إلا إبراهيم.


***

في اليوم التالي جاء ابراهيم إلى المقهي متمنياً أن يجد المعلم كامل هناك ليكشف سر إهتمام هذا الرجل به .. و بالفعل جاء المعلم كامل بعد قليل و كالعادة أرسل تحيته لإبراهيم الذي طلب من النادل أن يضع الشاي هناك على منضدة المعلم كامل حيث انتقل إبراهيم للجلوس معه .. فرح المعلم بهذه الخطوة كثيراً و اخذ المعلم يرحب بإبراهيم كثيراً ويسأله عن أحواله و حياته و إبراهيم يجيبه متحفظاً و لكنه لم يجروء على سؤاله عن سبب إهتمامه به أو عن الكلام الذي قاله صديقه عنه .. و لكن المعلم سريعاً أخبره أنه يحبه مثل اخيه الصغير و بهذه المناسبة سوف يدعوه للسينما و الخروج لتناول العشاء سوياً في إحدى المطاعم .. لم يرفض إبراهيم العرض لأنه يريد ان يعرف نهاية هذا الإهتمام .. و بالفعل غادرا الاثنان المقهي .

مرت عدة ساعات و هما معاً ما بين المطعم الذي تناولوا به سوياً العشاء الذي كان كباب و كفته و بين السينما التي شاهدوا به إحدى الأفلام العربية و لم تخلوا هذه الساعات من بعض لمسات المعلم لإبراهيم التي كانت تعبيراً من المعلم عن حبه و إهتمامه به و أنها نوع من الود و القرب بينهم و لكن تلك اللمسات لم تكن كافية لإبراهيم لتكون دليل قاطع على أن هذا الرجل يتحرش به و يريد منه شيئاً جنسياً .

و في طريق العودة بدأ المعلم يلمح له بتجارب سابقة له مع شباب و أن هذا شىء عادي يحدث كثيراً و يفعله كثيرون من الناس محاولاً استدراجه باتجاه بيته حتى وصلوا هناك أمام البيت .. إقترح المعلم أن يصعد إبراهيم معه لنام لديه و في الصباح يعود لبيته .. فهو يعيش بمفرده و ليس هناك أحد معه لانه غير متزوج و سيكونا على راحتهما .. و لكن إبراهيم رفض الصعود متعللاً بأن أباه يقلق عليه و لا يسمح له بالمبيت خارج البيت و إنصرف.

في اليوم التالي جاء إبراهيم مصطحباً خمس من أصدقاءه جلسوا على المقهي مترقبين حضور المعلم كامل و ما أن ظهر على ناصية الشارع الذي تقع به قهوة السناري حتى وقف إبراهيم و أصدقاءه مخاطباً صاحب القهوة طالباً منه عدم التدخل في ما سيحدث لأن هناك تار بين إبراهيم و المعلم كامل .. و كان ما كان .. إنهال إبراهيم و أصدقائه على المعلم ضرباً على وجهه و كل مكان من جسده حتى سقط الرجل أرضاً حيث بدأ الركل و تمزيق ملابسه بعدما سبه إبراهيم و فضحه أمام الناس معلناً أن هذا الرجل كان يريد أن يمارس الجنس معه و لكنه أبى ذلك معلناً أنه ليس خول و ها هو الآن يأخد تاره منه و لما عرف الناس ذلك لم يتدخل أحد ليدافع عنه أو ليحميه من ايدي هؤلاء الشباب و اكمل إبراهيم كلامه للمعلم المهان مهدداً إياه أن لا يأتي للجلوس هنا مرة آخرى و إلا سوف ينال مثل ما ناله اليوم .. قام الرجل من على الأرض يلملم أشلاء كرامته المهدرة على أيدي من في مثل عمر أولاده منكس الوجه و لم يظهر مرة ثانية على مقهى السناري و لم يقابله إبراهيم بعدها.

***

قام إبراهيم صاحب الخمس و أربعون عاماً متجاً نحو المعلم كامل صاحب السبعون عاماً و جلس بالكرسي الذي بجواره و مد يده له قائلاً:

- أهلا يا معلم كامل.

سلم عليه المعلم كامل ناظراً لوجه إبراهيم محاولاً التعرف عليه و لكن دون جدوى حيث قال له:

- أهلا يا إبني .. لا مؤاخذة .. مش فاكرك .. انت مين ؟
- أنا إبراهيم.
- إبراهيم مين ؟
- إبراهيم بتاع قهوة السنارية اللي كنت بتقعد عليها من خمسة و عشرين سنة.
- أيوة أيوة افتكرتك.
- أنت عامل أيه ؟
- الحمد لله يا ابني.
- تشرب شاي ؟

لم يسمح إبراهيم للعجوز بالاجابة حيث نادي على النادل سريعاً و قال له:

- شاي لعمك الحاج بسرعة.

ثم إلتفت له سائلاً:

- و انت فين أرضيك يا عم الحاج ؟
- أنا زي ما أنا في نفس البيت.
- متجوزتش يا عم الحاج ؟
- اللي زي يا ابني مالوش جواز.
- يعني انتى زي ما انت ؟

سكت العجوز قليلاً ثم قال :

- تقدر يا ابني تنام مع واحد راجل؟
- لا مقدرش يا عم الحاج.
- أنا كمان يا ابني مقدرش أنام مع واحدة حتى لو كانت ملكة جمال العالم .. دي حاجة مش بإدينا يا إبني .
- انت عايش لوحدك ؟
- أيوة.
- طيب مين بيخدمك ؟
- أنا بخدم نفسي و فيه ست غلبانة بتيجي تساعدني في تنظيف الشقة كل فين و فين .

سكت ابراهيم قليلاً تملاءه الشفقة على هذا الرجل قائلاً له:

- انتوا حياتكوا صعبة قوي يا عم الحاج .

لم يجيب الرجل بشىء سوى دمعتان فرتا من عيناه في صمت سارتا في إحدى الخطوط التي رسمها الزمن في وجهه العجوز .. أكمل ابراهيم كلامه:

- ممكن ابقى ازورك أطمن عليك كل فترة ؟
- طبعاً تشرف يا ابني.
- يا ريت تسامحنى ع اللي عملته فيك زمان.
- مسامحك يا ابني.






17 March 2009

لن يعود .. قصة قصيرة


يحاول الإتصال للمرة الألف بصديقه تامر .. الغير متاح حالياً .. لم تعد فيروز تشدوا بأغنيتها ( حبيتك تنسيت النوم ) لتعلن عن اتصاله به حيث كانت تلك هي النغمة التي خصصها تامر له .. اربعة ايام من القلق المتواصل .. يشعر كريم طوال هذه الأيام بالعجز التام .. غير قادر على فعل أي شىء او معرفة أي اخبار عن تامر .. غير قادر على انجاز أي من مهامه الوظيفية المكلف بها .. يجلس بمكتبه عقله مشغول و القلق يعتصر قلبه .. يفتح الرسائل القصيرة على موبيله و يقرأ أخر رسالة وصلته منذ أربعة أيام منه .. يقرأها للمرة المائة محاولاً تلمس أو فهم ما بين السطور :

( ماما عرفت كل شىء و البيت مقلوب )

علامات استفهام كثيرة تحوم حول هذه الجملة : ما هذا الذي عرفته بالتحديد ؟ و كيف عرفته ؟ و متي ؟ و ما دليلها ؟ و ما رد فعلها ؟ ..... إلخ . لا يستطيع كريم الوصول لأي من الاجابات التي قد توضح له الموقف أو المشكلة التي يقع تامر بها و تمنعه من الإتصال به.

بعد محاولات مضنية , استطاع الوصول لمجموعة من الأرقام عن طريق البحث في دليل الهاتف الإلكتروني عن طريق الاسم .. من المفترض ان يكون من بينها رقم تليفون منزل تامر .. لكنه متردد في الاتصال .. كيف سيتكلم و من سيجيب عليه .. و ما هو الوقت المناسب للإتصال .. كان الخوف يملأه و لكن لابد من الاطمئنان على تامر .. ربما يكون قريب من الهاتف فيجيب هو عليه .

لذلك قرر أن يتصل به اليوم في فترة الظهيرة .. من المحتمل ان يكون باقي أفراد الأسرة بالخارج في العمل أو الدراسة .. انتظر كريم حتى ذهب زميله الذي يعمل معه في نفس المكتب لتصوير مجموعة من الأوراق في الحجرة المجاورة .. حيث اصبح وحده بالمكتب .. اخرج الورقة التي دون بها مجموعة الأرقام و قام بالاتصال بالرقم صاحب الاحتمال الأكبر .. دقات قلبه أعلى من رنين الهاتف .. حتى أجابه صوت نسائي قائلاً :

- ألو
- السلام عليم .. ممكن أكلم تامر ؟
- انت مين ؟
- زميله في الجامعة
- اسمك ايه ؟
- اسمي عمر
- انت في سنة كام ؟
- في سنة رابعة
- أية اسماء المواد اللي انت بتدرسها السنة دي ؟
- هو فيه أيه حضرتك ؟ أيه لزمة الأسئلة دي كلها ؟
- انت عاوز ايه ؟ ( بصوت عالي يكاد يكون صراخ )
- تامر موبيله مقفول من كام يوم .. فكنت قلقان عليه و كنت عاوز اطمن عليه
- تطمن عليه بصفتك ايه ؟
لا يعرف كريم بما يجيب و لكنه يكمل متوتراً : ممكن اعرف مين حضرتك ؟
تجيب هي منفعلة حيث زادت حدة نبرات صوتها : و انت مالك .. انت عاوز أيه؟
- حضرتك بتسألي أسئلة غريبة و كأني بتصل علشان اعاكس .. انا كل اللي عاوزه اني اكلم تامر و اعتقد ان دي مفهاش حاجة.

كل هذا الحوار و نبضات قلب كريم في ازدياد .. حتى انه لم يعد يعرف ان كان يتنفس أم لا و تابع الحوار معها حيث قالت :

- أنا أخته .. ممكن أعرف أنت عاوزه ليه ؟
- عاوز أطمن عليه
- تتطمن عليه ليه .. أنت مين ؟
- قلت لحضرتك اني زميله
- لا انت مش زميله
- أوكي يا ستي .. مش مهم أنا مين و مش عاوز أكلمه .. المهم هو كويس و لا لاء ؟
- و انت مالك ؟ بتسأل عليه ليه ( بصوت صارخ )
- خلاص يا ستي متشكر جدا ليكي .. سلام عليكم

كاد كريم يغلق الموبيل و لكنها اكملت كلامها بصوت مرتفع قائلة :
- منكوا لله .. منكوا لله
- خلاص يا ستي انا مش عاوز اكلمه
- ما هو انت مش هتقدر تكلمه تاني علشان خلاص
- خلاص ايه ؟ هو فيه أيه ؟
- انت بتقول انك زميله مش كده ؟
- ايوة

بدأ صوتها يميل إلى البكاء قائلة :

- و انت يا زميله متعرفش انه مات و اندفن امبارح ؟

نزلت الكلمات على كريم ألجمت لسانه .. لم تعد الكلمات قادرة على الخروج من فمه .. سبقتها الدموع التي انهمرت من عينيه و صراخها يزداد حدة قائلة : منكوا لله .. انتوا اللي قتلتوه .. منكوا لله

أغلق كريم الموبيل و انهار باكياً .

****

انفتح باب المكتب .. كريم مازال يبكي .. يدخل هشام – زميله فى العمل - يجري تجاه كريم بعدما شاهده منهاراً يبكي .. على الرغم من محاولات كريم في اخفاء دموعه و لكنه لم ينجح في ذلك :

- مالك يا كريم .. فيه أيه ؟

لم يستطع كريم أن يجيب .. ما زال غير قادر على الكلام .. اخذه هشام في صدره ليهدء من روعه و بدأ يربت على ظهر كريم الذي ازداد في البكاء لكنه لم يستطيع أن يبوح بشىء مما حدث له .. حاول التماسك و مسح دموعه بيديه و انصرف ذاهباً للحمام ليغسل وجهه .. و عندما عاد .. قال لهشام أن أحد أقاربه قد توفي و أنه لابد أن ينصرف الآن لانه لن يستطيع أن يكمل عمله و هو في تلك الحالة لهذا استأذن للإنصراف و طلب أجازة لمدة يومين .. و مضى سريعاً ليهرب من أسئلة الزملاء و رغبتهم في معرفة سبب هذا الانهيار الذي أصابه .

***

فتح باب الشقة و اتجه مباشرة إلى حجرته .. متجاهلاً سؤال أمه عن اعداد الغداء .. لم يريدها ان ترى عيناه الباكية .. ليس قادراً على مواجهة أى أسئلة الآن .. رمي جسده فوق السرير محاولاً ترتيب افكاره و استرجاع الحوار الذي دار بينه و بين الصوت النسائي .. هل حقاً هي صادقة ؟ لا أعتقد انها قادرة على تمثيل كل هذا الدور من صراخ و بكاء .. و لكنه كيف مات ؟ هل انتحر ؟ هل قتلوه ؟ يريد كريم ان يتأكد من هذا الخبر .. قرر الاتصال مرة أخرى :

- سلام عليكم .. ممكن أكلم تامر ؟
- ( صوت نسائي بلهجة عنيفة ) مش قلتلك انه مات .. مات
- أرجوكي .. بلاش تقولي كده .. ازاي تقولي على أخوكي كده ؟
- ( بصوت حاد اقرب للصراخ ) علشان هو مات فعلاً
- طيب مات ازاي ؟
- و انت مالك ؟
- يبقى مش مات
- خبطته عربية و مات
- ازاي خبطته عربية و هو مش بيخرج من البيت
- انت مين ؟ و عاوز ايه ؟ انت تعرف كريم ؟

صمت كريم مندهشاً و لكنه أجاب قائلاً :

- ايوة أعرفه .. أنا كريم
- طيب قولي كان فيه أيه بينك و بين تامر .. أرجوك قولي كل حاجة .. أنا أمه مش أخته .. عاوزه أعرف كل حاجة أرجوك
يبكي كريم قائلاً : طيب قوليلي هو مات ازاي ؟
- أبوه قتله .. أبوه قتله لما عرف اللي بينكوا

لم يستطيع الرد عليها للمرة الثانية .. حاول ان يعلن سخطه عليها و عليهم لكن صوته ينحشر من البكاء .. فأغلق الهاتف و رماه فوق سريره .. اخد يسير كالمجنون في حجرته .. غير قادر على كبت دموعه .. يكتم صوت صرخة داخله خوفاً من أن تسمعه أمه و الجيران .. مرت لحظات على هذا الحال ثم مسح وجهه و خرج إلى الحمام .. فتح الدش ووقف تحت المياة الباردة علها تهدىء النار التي بداخله .. يقف هناك طويلاً ربما متمنياً ان يتوقف الزمن لكنه يخرج .. يجفف جسده و يرتدى ملابسه و يخرج من البيت متجهاً لمدينة الزقازيق تلك المدينة التي يعيش بها تامر و التي تبعد عن مدينته حوالي الساعتين .. كانت الساعة قد قاربت السادسة مساءاً .. لم يستطيع أن يصبر للغد ليسافر نهاراً .

***

في العربة المتجهه نحو مدينة الزقازيق .. جلس بجوار الشباك ناظراً للخارج محاولاً اخفاء عيناه الدامعتين عن باقي الركاب .. و مرت الساعتين كأنهم عامين و مرت خلالهم كل ذكرياته مع تامر .. كل شىء منذ اللقاء الأول و حتى اللقاء الأخير .. و حينما يتذكر خبر موت تامر تنهمر دموعه .. حتى وصلت العربة لنهاية الطريق و نزل منها .. وقف مكانه حائراً لا يعرف إلى أين سيتجه و لا يعرف أين هو الآن .

وقف برهة من الوقت يحاول أن يستجمع كل المعلومات و تفاصيل الأماكن و الشوارع و المعالم التي مر بها في تلك المدينة التي زارها مرة واحدة فقط مع تامر .. تلك الزيارة التي أراد تامر ان يعرض له فيها اين يعيش و اين يمشي و كل الأماكن التي يحبها .. كانت زيارة واحدة .. حتى انه لم يكن يعطي كامل انتباه لمعالم المدينة التي يزورها للمرة الأولى في حياته بقدر ما كان ينظر دائماً لتامر ذلك الشخص الذي عشقه و أحبه أكثر من نفسه .

أخذ يمشي و يمشي محاولاً الوصول إلي أي مكان يتذكره ليبدأ منه رحلة البحث و التأكد .. ظل يمشي حتى وصل إلي كبري أو ممشي صغير يقع فوق أحد القنوات أو فروع نهر النيل .. تلك النهر الذي يقسم المدينة لنصفين .. لا يعرف هو أسماء الأماكن و لكنه تذكر انه قد مشي فوق هذا المكان مع تامر .. بدأ الأمل يدب في قلبه .. عبر فوق هذا الممشى الصغير إلى الناحية الأخري من المدينة وجد نفسه أمام الشارع الذي تقع به عيادة والد تامر .. نعم انه الشارع الذي به عيادة والد تامر .. ها هي اللافته تحمل اسم والده .. خفق قلب كريم .. صعد يجري على السلالم للدور الثالث حيث العيادة .. كاد ينكفء على وجهه عدة مرات أثناء صعوده جارياً .. وجد العيادة مفتوحة و بها بعض المرضى .. فرح كريم فرحاً شديداً .. لو كان تامر قد مات أو قتل فلن يستطيع والده فتح العيادة .. لم يدخل كريم العيادة و لكنه أخذ رقم هاتف العيادة المكتوب على اللافته و نزل كريم على السلم فرحاً .

بعد معرفة مكان العيادة تذكر كريم الطريق لبيت تامر لأنه لم يكن يفصل بينهما سوى شارعين .. أخذ يسرع و يسرع حتى وصل للبيت .. وقف أمام البيت ينظر لأعلى حيث يعيش تامربالدور الرابع مع أهله .. يرى نور حجرة تامر مضاء .. فقد اخبره تامر أن تلك الحجرة المطلة على الشارع هي حجرته .. أراد أن يصرخ منادياً بأعلى صوته .. أراد لو أنه يمتلك قدرات خارقة مثل سوبرمان او سبيدرمان ليطير لأعلى ليصل لحجرته ليطمئن عليه و يراه .. يدخل العمارة و يصعد السلم - لم يكن هناك مصعد في هذا المبنى - حتى وصل للشقة التي بها يعيش تامر .. نبضات قلبه كانت تعلو و تعلو كلما اقترب .. وقف كريم أمام باب الشقة قليلاً لا يعرف ماذا يفعل بعد ذلك .

***

وقف كريم هناك لحظات أمام الباب لا يعرف ماذا يفعل .. تمنى لو كان لديه الشجاعة على انتحال أي شخصية و لو حتى جامع القمامة ليدق الباب ربما استطاع أن يراه و لكنه لم يستطع فعل شىء .. نزل إلي الشارع مرة أخري يشعر بالحزن و الضعف .. ينظر مرة أخري لأعلى .. ما زالت عيناه معلقتان على شباك حجرته .. اخرج الهاتف اتصل بهاتف عيادة والد تامر .. جاءه صوت رجولي قائلاً : ألو
- السلام عليكم .. لو سمحت ممكن أكلم دكتور سعيد ؟
- دكتور سعيد لسه موصلش .. أي خدمة ؟
- أيوة حضرتك .. كنت عاوز اتاكد من خبر وفاة حد قريب الدكتور .. الكلام ده صحيح ؟
- حالة وفاة ؟ حد من البلد ؟
- تقريباً
- معنديش فكرة والله
- طيب أوكي متشكر أنا هتصل بيه على البيت.

أغلق كريم الموبيل .. ها هو الآن يتأكد أن تامر ما زال هناك .. ينبض بالحياة .. صحيح أنه لم يراه و لم يعرف عنه شيء .. هل يعذب ام محبوس هناك في حجرته .. المهم انه ما زال هناك على قيد الحياة .. اراد ان يصرخ بأعلى صوته اسفل نافذته و يقول له أنه يعشقه .. و لكنه مشى .. يكفيه ما حدث له اليوم .. يدهشه أداء تلك السيدة التي أدت الدور ببراعة و اتقان .. صراخ و صوات و بكاء .. استطاعت ان تخدعه .. تذكر أنه لم يتناول أي شيء طوال هذا اليوم .. اشترى بعض العصائر و الحلوى كي يتناولهم في طريقه نحو موقف العربات العائدة لمدينته .

***

في عربة العودة .. نام كريم .. لم يشعر إلا بالرجل الجالس بجواره يوقظه ليعلمه بالوصول .. بعدما عاد للبيت .. اتصل بصديقته المقربة له .. حكى لها كل ما حدث له في هذا اليوم العصيب الذي لم يعيش مثله في حياته و يتمنى ألا يعيش مثله مرة ثانية .. انصتت له حتى انتهى من قص تفاصيل هذا اليوم ثم قالت له :

- عاوز نصيحتي يا كريم ؟
- أكيد طبعاً
- بلاش تستنزف مشاعرك .. أهله عمرهم ما هيأذوه .. مهما حصل مش هيأذوه .. و من الأفضل إنك تبعد .. لأن علاقتكوا كده انتهت.

صمت كريم و لم يجيب و لكن قلبه امتلأ حزناً و أكملت هي قائلة :

- حتى لو بعدين أهله سابوه و قدر يخرج و يكلمك و قدرت تقابله .. عمر ما مشاعره ليك هتكون زي الأول .. سألها كريم حزيناً : ليه ؟

- انت متعرفش لما يرجع و يخرج من الأزمة دي هيكون لسه بيحبك و لا لاء .. كمان هيفضل فاكر انك سبب من أسباب المشكلة اللي هو فيها دلوقتي .. و مش بعيد يحملك الذنب كله .. و هتفضل علاقته بيك مرتبطه بالألم اللي اتعرضله دلوقتي .. فبلاش تستنزف مشاعرك.

بعد إنتهاء المكالمة ظل كريم حزيناً .. بفكر في كلام صديقته التي عهدها دائماً بصواب الرأى و حكمتها و رأيتها الصحيحة للأمور .. هل حقاً ستكون هذه هي النهاية .. و انه لن يعود إليه مرة أخرى حتى لو انتهت الأزمة .. هذا ما ستكشفه الأيام.




15 February 2009

الدائرة .. قصة قصيرة


يجلس على مكتبه منهمكاً في عمله كعادته .. وحيداً كالعادة حيث يفضل الابتعاد عن الأخرين .. علاقاته بهم سطيحة لا تتطور لأمور شخصية .. فهو لا يحب أن يتدخل في حياة الأخرين و لا يحب ان يتدخل الأخرين في حياته .. تدخل عليه و تحيه قائلة بصوتها الغليظ :

- ممكن أقعد معاك شوية ؟
- اه طبعا .. ثواني اجيبلك كرسي
- لا لا خليك .. أنا هجيبه بنفسي

تجلس أمامه .. يتبادلان الإبتسامات دون كلام .. تملأ الدهشة عقله .. فهم ليسوا بأصدقاء .. فقط السلام هو الشىء الوحيد الذي يدور بينهم دائماً .. كذلك اندهش من رد فعلها بخصوص المقعد و انها رفضت ان يحضره لها و اصرت هي على القيام بذلك .. سحبت احدى المقاعد البعيدة و اقتربت من مكتبه و جلست أمامه ثم بدأت هي الكلام قائلة :

- مكتبك حلوة فعلاً
- شكراً هو صغير صحيح بس انا فعلا بستريح فيه .. كمان بعيد عن الناس ، يعني مش بحب الدوشة و كده.
- تمام .. قولي عملت ايه امبارح في الفالانتين ؟
- ولا حاجة .. خرجت شوية مع واحد صحبي و خلاص .. انتي عملتي ايه ؟
- مفيش كان يوم عادي جداً .. انا و خطيبي خرجنا اليوم اللي قابله و قعدنا في كافتريا.
- كويس قوي
- احنا مالناش في موضوع الرومانسية قوي و الكلام ده
- غريبة !!
- لاء بجد صدقني .. احنا بنحب بعض جداً و على فكرة احنا أصحاب قبل ما نكون أحباب .. و لا يمكن اني ابعد عنه بأي شكل من الأشكال حتى لو موضوع ارتباطنا مش اكتمل و متجوزناش .. هيفضل في حياتي و مش ممكن نبعد عن بعض و هيفضل حد مهم في حياتي.

ينظر إليها بدهشة .. يرى كلامها غريب و مختلف .. ربما لأنها بنت .. يرد عليها قائلاً : ده شىء كويس و جميل

تصمت هي قليلاً ثم تكمل : تعرف ان أي ارتباط مش لازم يكون قايم على الحب .. حتى في القرآن ربنا قال (( و خلقنا لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها )) مقالش أحباباً .. يعني الحب و الرومانسية و الأفلام دي مش الأساس .. صدقني لو العلاقة قايمة ع الحب بس هتلقيهم بعد اسبوع واحد من الجواز بيتخنقوا مع بعض.

ينصت إليها بدون تعليق .. و لكنه ينظر إليها بفضول و اهتمام لسماع المزيد و تكمل قائلة :

- تعرف ان فيه ناس كتير جداً حاولوا و بيحاولوا يوقعوا بيني و بين خطيبي .. يمكن غيرة أو حسد .. لأننا مع بعض من سنين و متفاهمين جداً .. صحيح بينا خلافات و مشاكل و كل حاجة .. بس انا و هو في دايرة واحدة .. مشاكلنا بتبقى بينا و بس .. لو حتى هنموت بعض .. مش مهم .. المهم مفيش حد يتدخل بينا .. و لو حد فكر انه يتدخل أكله بسناني و أقله مالكش دعوة .. حتى لو كانوا أقرب الناس .. حتى لو كانوا أهلنا .

ازداد انصاته لها .. يتطابق كلامها مع حالة يعيشها هو .. يحاول الهروب بعينيه منها حتى يخفي ذلك اللمعان الذي ظهر في عينيه نتيجة لدموع كتمها داخله بكل الطرق محاولاً منعها من الخروج أمامها و قال:

- تعرفي ان كلامك ده فكرني بكلام واحد صحبي.

- بص مش هقولك اني بحب خطيبي علشان هيتجوزني و يبقى جوزي و كده .. لا لا خالص .. انا بحبه لانه أبويا و أخويا و ابني و أنا و زي ما قلتلك حتى لو لا قدر الله موضوعنا مكملش عمري ما هبعد عنه.

لم يعلق على كلماتها بشيء .. فقد امتلأ عقله بالأفكار و الذكريات .. فنهضت واقفة مبتسمة قائلة :

- طيب مش عاوز حاجة و أنا أسفة اني ضايقتك.
- لا لا بالعكس .. أنا متشكر ليكي .

انصرفت تاركة اياه حائراً .. تساؤلات كثيرة تدور بعقله .. لما جاءت إليه .. لما دار هذا الكلام بينهم .. لما قصت عليه تفاصيل علاقتها بخطيبها .. انهم ليسوا بأصدقاء .. هل ما حدث هو رسالة مقصودة و أن القدر أرسلها إليه لتعطيه درساً في الحياة ؟؟

لم يستمر في حيرته طويلاً .. اخرج هاتفه المحمول و كتب إليه رسالة قصيرة بأنه أدرك الخطأ .



30 January 2009

الإختيار .. قصة قصيرة


يسيرالاثنان سوياً في الطريق .. صامتان .. لا يدور بينهما أي حوار .. و لكن عقلهما يزدحما بالأفكار .. يحاول كريم ان يتقرب منه واضعاً يده فوق كتفه كالمعتاد .. يزيح الأخر يده بعيداً عنه .. يحزن كريم و لكنه يداري حزنه .. لا يفهم ما جريمته و لما كل هذا الغضب الذي يعتلي الأخر .. يقتربا من احدى إشارات المرور حيث السيارات الكثيرة المسرعة التي يخاف منها كريم .. يسير الأخر وحده عابراً الطريق متجاهلاً كريم غير مهتم به .. لا يخاف عليه مثلما كان يفعل دائماً حيث كان يمسك يده و أوقاتاُ يضع يده حول خصره ليعبرا الطريق سوياً .. جرى كريم خلفه و عبر الطريق و لكن إحساس باليتم ملاء قلبه .

سار بجوارالأخر و أوقاتاً خلفه و الأخر لا يلتفت ناحيته و كريم يخاف النظر إليه و هو في تلك الحاله .. يتذكر كريم المشهد الأخير من فيلم " النداهة " حيث يسير شكري سرحان و من خلفه ماجدة تحمل على أكتافها وزر جريمة لم ترتكبها حين اغتصبها احد مخدوميهم و تحملت هي وزر الجريمة و عقابها بالنفي من البلده التي عشقتها و يقرر زوجها أن يعودا إلى بلدتهم و تخلع ماجدة ثوبها الجديد الذي ارتدته في هذه المدينة الجديدة عليها و التي تعلقت بها و عشقتها رغم كل سلبياتها و ترتدي الثوب الذي جاءت به و تسير خلف زوجها منكسة الرأس و أمام محطة القطار تقف ماجدة .. و يقف كريم .. لم يشعر شكري سرحان بها .. و لم يشعر الأخر به .. تهرب ماجدة من شكري سرحان و تتوه في الزحام .. لا يستطيع كريم الهروب و يقف مكانه .. يلتفت شكري سرحان حول نفسه باحثاُ عن ماجدة و لا يجدها .. يلتفت الأخر للخلف و يجد كريم يقف بعيداً عنه فيعود إليه يسأله " وقفت ليه ؟ " .. يجيب كريم حزيناً " مفيش " .. و يكملا سيرهما .

في نهاية الطريق يسأله الأخر أن يختار ما بين حبه له و بين وجود أصدقاء في حياته .. تصيب الدهشة كريم و يجيب انه لا مجال للمقارنة بين الاثنين و ليس هناك اختيار .. فكلاهما مهم و ضروري .. يستشيط الأخر غضباً لا يقوي كريم على النظر إليه فالعيون عند الغضب تكون مرعبة .. و منذ الصغر و كريم يكره العنف و الغضب و يخاف العيون الغاضبة .. يتحدث الأخر كثيراً .. يشعر كريم بالبرد الشديد .. لا يقوى على الاختيار و لا الكلام .. يتهمه الأخر بالهروب و انها طريقته في حل المشكلات .. لم يعد كريم قادر على الصمود أكثر من ذلك .. ركب العربة عائداُ لبيته يجتاح البرد كل خلية من جسده يملاءه الاحساس باليتم .

08 January 2009

حلم ليلة أمس

يقف كريم في انتظار الميكروباص ليعود إلي بيته .. يجده واقفاً بجواره حاملاً كتاباً بيده مرتدياً جاكت باللون الأصفر الغامق .. ينظر إليه بتلك النظرة الطفولية التي عشقها .. ينظر إليه ثم ينظر للأرض خجلاً .. لم يتكلما سوياً و كأن كلاهما لا يعرف الأخر .. لكن كلاهما ينظر إلى الأخر .. بعد قليل يقترب هو من كريم و يمسك يده و يسيرا سوياً بعيداً عن الناس واضعاً يد كريم فوق قلبه .

يمشيان فوق أحد الأرصفة في محطة القطار .. يتجهان نحو السلالم الهابطة إلى النفق .. في منتصف السلالم يسمع كريم صوت ينادي عليه .. لا يستطيعا النظر لأعلي لذلك يستلقيان على ظهورهم فوق السلالم ليستطيعا النظر لمصدر الصوت القادم من فوقهم .. يجد كريم أن الصوت هو صوت أخاه و زميل لكريم في العمل .. يلوحان لكريم و للأخر .. تبدو السعادة على وجوههم .. يندهش كريم لهذا و كيف اجتمعا الأثنان سوياً في هذا المكان فكلاهما لا يعرف الأخر و ما سر هذه السعادة التي تعلوا وجههما .. و لكن كريم و الأخر ينهضا و يكملا سيرهما .

ما زالت يد كريم فوق قلب الأخر .. لا يعرف إلي أين وجهتهما .. لا يدور بينهم أي كلام .. يصل الاثنان لنهاية الرصيف .. يقفزالاثنان إلى الأرض اليابسة المجاورة للرصيف حيث ينتهي الرصيف فجأة دون منحدر يؤدي لتلك الأرض .. تلك الأرض المجاورة للرصيف مساحتها صغيرة لا تزيد عن المتر المربع تحيطها المياة من كل الاتجاهات في شكل دائرة ما عدا اتجاه واحد الملتصق بالرصيف .

دائرة المياة ليست شاسعة .. حيث يعلوا الماء - على بعد مترين منهما - زراعات خضراء تشبه نبات الأرز .. ينظر كلاهما للأخر و يتعانقان و يقبل كلاهما الأخر .. عندها تبدأ المساحة الصغيرة من اليابس في الهبوط حتى يغمرهما الماء .. يتوقف الهبوط عندما تصل المياة لأسفل صدرهما .. تستمر القبلة بينهما و يستمر العناق حتى يستيقظ كريم من النوم .. يشعر كريم بمذاق لسان الأخر في فمه و كأن هذا الحلم كان حقيقة .

ينهض كريم شاعراً بشوق جارف و حنين للأخر .. لا يستطيع ان يكبح لجام ذكرياتهم سوياً .. لا يعرف ماذا يفعل و هو لم يعد لديه أي وسيلة إتصال بالأخر . .


18 November 2008

مبروك يا فندم .. قصة قصيرة


كعادتها كل يوم تخرج أم مصطفى لتجلس على باب البيت حيث تتجمع حولها باقي الجارات ، يتبادلون الحديث اليومي حول كل ما يمت بالجيران من أخبار و أسرار و إشاعات و كل ما يتعلق بما دار داخل بيوتهم و ما حدث بينهم و بين أزواجهم و أولادهم و ما شاهدوه في التلفاز و كل ما حدث لهم في تلك الفترات التي لم يكونوا سوياً .. على الرغم من معرفتهم الجيدة أن تلك الأسرار سوف تستخدهم ضدهم في أقرب خناقة تدور بينهم .. و هذا يحدث كثيراً و لأتفه الأسباب و لكنهم سريعاً ما يعودوا لما كانوا عليه قبل الخناقة لمجرد تدخل طرف ثالث للصلح بين الطرفين المتشاجرين .

كان حديث اليوم يدور حول ذلك الجار الذي يدخل أنفه في كل الأمور و يتصيد تلك الإجتماعات النسائية و اللقاءات اليومية بينهم لينضم إليهم بعد عودته من المسجد بعد الانتهاء من الصلاة .. يقف و يحيهم و يبدأ في المشاركة معهم بادئاً بسؤال عادي عن أحوال أحد أبنائهن أو السؤال عن زوج إحداهن ثم يبدأ في الاسترسال في طرح بعض القضايا و الأسرار التي قد تخفى عليهم و كثيراً يحاول الإيقاع بينهم و لكنهم لا يرحبون به ربما لإختلاف الجنس و عدم ميلهم ليكون بينهم رجل يشاركهم هواياتهم او لشهرة هذا الرجل بأنه نسوانجي قديم أيام الشقاوة و الشباب .. و فجأة يرن جرس الهاتف داخل بيت أم مصطفى و التي تتكاسل في القيام و لكن باقي النسوة يحثوها على القيام ربما يكون أبو مصطفي الذي ما زال في العمل .. تسرع أم مصطفي حاملة كل تلك الهضاب و التلال الدهنية التي يتمتع به جسدها الغير محدد المعالم و ترفع سماعة الهاتف قائلة : ألو ؟

يرد عليها صوت شاب قائلاً : مساء الخير يا فندم . معاكي شركة المحظوظين الكبرى . ممكن اتعرف بحضرتك ؟
- ليه يا أخويا تتعرف بيا ليه ؟
- علشان يا فندم حضرتك كسبتي معانا رحلة لمدة أسبوع لمدينة الغردقة ؟
- بس يا أخويا أنا لا بعت أكياس الشمعدان و لا جمعت أكياس إريال و لا اتصلت بالبنات المايصة بتوع قنوات الدش و قلتلهم ان حل الفزورة يبقى البطيخة و لا أيتها حاجة خالص يبقى كسبت إزاي بقى؟
- يا فندم حضرتك كسبتي بالإختيار العشوائي .
- لاء يا خويا عشوائي أية .. لاء أنا ساكنة ف حتة زي الفل و بيتنا دورين و جاراتي كلهم ستات زي العسل .. لاء يا خويا أنا مش ساكنة في العشوائي ده انت غلطان في العنوان و لا أية ؟
- يا فندم أنا قصدي اننا اختارنا رقمك بالحظ علشان كده كسبتي رحلة لمدينة الغردقة.

تكاد تطير أم مصطفى من الفرحة و السعادة قائلة: يعني يا خويا الكلام ده صدق ؟
- ايوة يا هانم ..

أطلقت بعدها أم مصطفي زغروتة عالية و نادت بأعلي صوتها على جارتها اللاتي دخلن يجررجن احملاهم الجسدية مسرعات متشوقات لمعرفة سر تلك الزغروتة التي أطلقتها أم مصطفي بدون إنذار .. و بين الدوشة الناتجة عن استفساراتهن حول معرفة ماذا حدث لأم مصطفى .. سارعت أم مصطفي بإسكاتهن لمواصلة الحوار الدائر بينها و بين الشاب الذي قال لها: ممكن حضرتك تجيبي ورقة و قلم علشان أديكي رقم تليفون علشان حضرتك تتصلي بيه و تديلهم بياناتك و تاخدي الجايزة .

سارعت أم مصطفي طالبة من الجارات ورقة و قلم و اقتربت منها أم على الجارة المثقفة بين الجارات و الحاصلة على الإبتدائية .. بدأت أم مصطفى في تكرار تلك الأرقام التي يمليها عليها الشاب و أم على تكتب خلفها .. و أخيراً قال الشاب لها: لازم تتصلي النهاردة يا فندم و تدلهم بياناتك علشان الجايزة مش تروح عليكي.

- لاء يا خويا هتصل و ربنا يخليكوا لينا و يخلي لنا الريس و مراته و الحكومة و يديهم الصحة يا رب و يبعد عنهم العيال بتوع ابريل دول يا قادر يا كريم .

أنهت أم مصطفي المكالمة واضعة سماعة التليفون .. تنظر لصديقاتها المتلهفات لمعرفة الموضوع .. يملأها الفخر و العنتظة و قد انتفخت كبرياءاً و بدأت تقص عليهم ما دار بينها و بين هذا الشاب و كيف كان يقول لها يا فندم و انه اختارها دون كل الجارات و حكت لهن عن الجائزة و الاسبوع الذي ستمضيه على شواطىء الغردقة .. استمرت أم مصطفي تحكي و تضيف كلمات و جمل من خيالها على هذا الحوار الذي دار بينها و بين الشاب و كان هذا الموضوع هو احتفالية لقائهم هذا اليوم .

يعود أبو مصطفي مُحملاً بهموم و قرف و معاناة يوم عمل شاق ، يقابله أحد الجيران على بداية الشارع الذي يسكن به .. يوقفه هذا الجار ليحيه و يهنئة: مبروك يا أبو مصطفى.

يجيبه أبو مصطفي مندهشاً و علامة الاستفهام تملأ وجهه: الله يبارك فيك ، على أية بقى ؟
- على أسبوع الغردقة
- غردقة أيه ؟
- يا عم الناس كلها عرفت ، متنسناش بقى و انت هناك .. و ابقى افتكرنا بحته حلاوة مشبك و انت راجع بالسلامة .

تركه الجار الذي أكمل سيره و امتلاء عقل ابو مصطفي بعلامات الاستفهام الكثيرة .. و ما أن اقترب من بيته حتى بدأت الجارات في النهوض و الانصراف بعدما هنئوا أبو مصطفي الذي لم يعرف ما معني أسبوع الغردقة .. و لكن تلك الفرحة التي كانت تملاء وجه زوجته ساعدت على تأكيد الخبر لديه .. و ما ان دخل الرجل باب بيته و اغلقه خلفه حتى بدأت أم مصطفي في سرد ما حدث اليوم و احضرت له تلك الورقة التي كُتب بها رقم الهاتف الذي طُلب منها ان تتصل به لإعطائهم بياناتهم الشخصية .. امسك أبو مصطفي الورقة قائلاً :

- إنتي متأكدة ان الكلام ده صدق يعني ؟ مش نصب ؟
- أيوة يا خويا أمال ايه.
- بس ده رقم في مصر و احنا معندناش مباشر.
- أيوة يا اخويا أنا عارفة .. علشان كده أنا اشتريت الكارت أبو عشرة جنية ده علشان تقدر تكلمهم.

بدأ أبو مصطفي في الإتصال و ادخل أرقام الكارت لتفعيل خاصية المباشر ثم الإتصال بالرقم الخاص بالجائزة المنتظرة .. بدأ الهاتف يرن في الطرف الأخر و فتح الخط و أجابت عليه صوت نسائي مسجل و التي طلبت منه الانتظار .. و انتظر أبو مصطفي دون شىء فأغلق الهاتف و عاوز الإتصال مرة أخري و حدث نفس الشىء مرة ثانية .. فقال لزوجته :

- شكلهم نصابين
- لاء يا خويا ازاي .. يمكن الشبكة واقعة ؟
- يا ولية انا بكلمهم على الأرضي شبكة اية اللي واقعة.
- طيب يا خويا هات أنا أجرب يمكن يكون وشي حلو.

و بدأت أم مصطفي تحاول و تحاول و يتكرر ما حدث مع أبو مصطفي إلي أن جائهم صوت الرسالة المسجلة يعلن عن انتهاء رصيدهم .. فانفعل أبو مصطفى قائلاً :

- يعني العشرة جنية راحت ع الأرض .. لا روحنا الغردقة و لا حتى جمصة.
- والله يا خويا انا حكيتلك اللي حصل و الواد كان عمال يقولي يا فندم و يا هانم و بيكلمني كويس قوي.
- يا فندم ؟!! طيب يلا قومي فزي حضري لي الغدا.

قامت أم مصطفى يملأها الحسرة و الإحساس بالخيبة مخلفة وراءها تلك الخطط و الأحلام التي رسمتها في مخيلتها و قررت القيام بها على شواطىء الغردقة .




27 September 2008

مقاعد .. قصص قصيرة


يجلس وحيداً فوق أحد مقاعد الانتظار الموجودة في احدى العيادات منتظراً دوره للدخول إلى حجرة الطبيب المعالج ممسكاً بكتاب أحضره معه ليقرأ به حتى لا يشعر بالملل من الانتظار ، في الجهة الأخرى المقابلة له يجلس شاب في العشرين من عمره وحيداً .. يبدو الشاب جذاباً شديد الاعتناء بمظهره يجلس منتصب القامة .. ينظر للشاب متأملأً لكن العيون لا تتلاقى حيث لا ينظر الشاب تجاهه مطلقاً .. يعود مرة أخرى لكتابه و يكمل القراءة .. دقائق قلية تمر و تأتي سيدة في الخمسين من عمرها و تجلس في الكرسي المجاور للشاب .. ينظر إليها الشاب ثم ينحني بجسده على ركبتيه واضعاً وجهه بين كفيه ثم ينفخ هواء الزفير بقوة دلالة على ضيقه .. يتابع كريم الموقف الذي لم يفهمه .. يرفع الشاب قامته مرة ثانية ملتفتاً نحو السيدة الجالسة بجواره قائلاً :

- ماما انتي ايه اللي جابك هنا ؟
- انت مش قلتلي انك مش عاوزني اجي معاك ؟ اديني جيت لوحدي
- ماما قومي روحي .. أنا مش صغير علشان تيجي معايا
- و لا أنا صغيرة علشان اسمع كلامك

يعود الشاب مرة ثانية للوضع السابق و تظهر علامات الضيق على وجهه أكثر .. يحاول الشاب مرات متكررة في اقناع السيدة بالانصراف دون جدوى .. ينظر الشاب نحوه للمرة الأولي .. يتظاهر هو سريعاً بأنه يقرأ في كتابه و انه لا يتابع الموقف حتى لا يزيد من ارتباك الشاب و ضيقه .

** 2 **

يجلس على أحد مقاعد الانتظار الموجودة فوق أحد الأرصفة في محطة السكة الحديد .. و بجواره يجلس شاب قابله اليوم للمرة الأولي .. الشاب مضطرب جداً و يضرب بيده فوق المقعد الجالس عليه في حركة لا ارادية تعبيراً عن ضيقه بعدما قابل صديق له هنا في تلك المدينة التي لا يعيش بها و انما جائها لمقابلته .. ينظر إلي الشاب بإستغراب و شفقة وعدم فهم للسبب الذي يدفعه لكل هذا القلق الذي يجتاحه .. يحاول الشاب ان يبث الطمئنينة في نفسه وانه ليس هناك ضرر مما حدث .. يحاول ان يربت فوق كتف الشاب لطمئنته و لكن دون جدوى .. ينتفض الشاب في قلق مما دفعه للتيقن من ان هذه هي المرة الأخيرة التي سيرى بها هذا الشاب حيث سترتبط مقابلتهم بهذا الموقف المؤلم للشاب .. دفع هذا اليقين بعض الدموع العابرة في عينه .. لاحظ الشاب هذا اللمعان الذي سببته تلك الدموع ، حاول الشاب ان يعتذر له عن انه تسبب له في حزنه .. و لكنه ابتسم له ابتسامه حزينه دون أن يوضح له السبب وراء هذه الدموع و تأكده من أن هذا اللقاء سيكون الأخير بينهم و بانه لن يراه مرة ثانية .

** 3 **

يجلس فوق الرصيف حيث لم يكن هناك مقاعد .. منتظراً قدوم السيارة التي سوف يعود بها إلي مدينته و بجواره صديقه الذي يضع زراعه فوق كتفه .. تمني لو ان يحضنه صديقه و يضمه لصدره و لكن الشارع مليىء بالناس .. نظر في عيني صديقه .. أراد أن يرسل له بكل الكلمات و المشاعر التي يحملها داخله في هذا الوقت .. رفع الصديق ذراعه من فوق كتفه و وضع الصديق وجهه في تلك الحقيبة التي كان يحملها في يده .. لم يعرف ماذا حدث لصديقه .. و لما أخفى وجهه .. هل وصلته الرسالة ؟ هل يشعر بالعجز عن تحقيقها الآن لذلك اخفي وجهه عنه و عن الناس ؟ لم يعرف ماذا يفعل .. لكنه وضع ذراعه فوق كتف صديقه و ضغط قليلاً بأنامله على جسد صديقه و ضمه إليه برفق و مسح بيده فوق رأسه محاولاٌ تهدئة صديقه الذي رفع وجهه من الحقيبة ناظراً له مرسلاً إليه رسالات أشد قوة من خلال عينيه .. تمني ان يلقى مصباح علاء الدين ليُخرج منه العفريت و يطلب منه أن ينقله هو و صديقه إلي جزيرة بعيدة عن الناس ليحيا سوياً هناك و يحققا محتوى الرسائل المتبادلة بينهم .

** 4 **

يجلس فوق احد الكراسي المصفوفة في صوان عزاء أحد الجيران .. ينظر نحو الأرض منكساً رأسه .. يستمع لصوت الشيخ و هو يتلوا آيات القرآن الكريم .. يشدو الشيخ بآيات من صورة الشمس .. الجو رائع حيث المساء و نسمات من الهواء البارد .. يفكر في الموت و العبرة منه و تلك الحياة الفانية .. يرفع رأسه عالياً ليستنشق كم أكبر من الهواء المنعش .. يجذب انتباهه ضوء مصباح بعيد في شارع جانبي حيث يسقط الضوء فوق زينة رمضان التي ترفرف بقوة بسبب نسمات الهواء .. يثبت نظره هناك فوق تلك الزينة التي ترفرف .. يتذكر أيام الطفولة و لهفته لصنع تلك الزينة بنفسه هو و أبناء الجيران احتفالأ بقدوم هذا الشهر الكريم .. يشعر بالسعادة و ترتسم ابتسامة فوق شفتيه .. يتذكر انه يجلس في صوان عزاء .. ينكس رأسه ناظراً للأرض مرة أخرى ماسحاً تلك الأبتسامة العابرة عن وجهه.

03 September 2008

قاعد مستنيك .. قصة قصيرة

استقل العربة عائداً لبيته .. جلس في المقعد الأخير كالعادة بجوار الشباك .. كان ذلك بعدما خرج مع أحد الأصدقاء لشراء بعد الأشياء لهذا الصديق . يشعر بالضيق و الأختناق من ارتفاع درجة الحرارة فما زالت العربة واقفة لم تتحرك منتظرة امتلاؤها بالركاب .. لم يعبأ بالضجيج المحيط به و لكنه بدأ في اغلاق عينيه و استنشاق أكبر قدر من الهواء الذي بدأ يهب مخترقاً الشباك ومن ثم بدأ في استعادة توازنه و هدوءه نتيجة استنشاق الهواء البارد الذي خفف من درجة الحرارة .

أخذ يتامل البشر من حوله ، من بين الواقفين في ممر العربة كان هناك شاب يرتدي قميص بأكمام به خطوط طولية و بنطلون جينز و كاب ، يتمتع الشاب ببناء جسدي جيد ، لم ينجذب للشاب جسدياً ولكنه فقط كان يتأمله . لم يستمر في تأمله كثيراً حيث اتجه بنظره في اتجاه أخر بعيد عن الشاب و بدأ يتذكر منذ قليل حينما دخل و صديقه احدى محلات الملابس و التي اعجب صديقه بقميص معروض لا يوجد منه في المحل غير تلك القطعة التي يرتديها المانيكان الواقف في مدخل المحل .. قام البائع بتعريه المانيكان و خلع القميص عنه و اعطاه للصديق الذي دخل حجرة البروفة ليجرب القميص .

وقف هو هناك في مواجهة المانيكان النصف عاري .. يتأمل التمثال .. اعجبه دقة تفاصيل جسد هذا المانيكان ، تمنى ان يمد يده ليلمس تلك العظمتين البارزتين اسفل الرقبة و اعلى القفص الصدري ، تمني ان يلمس عضلات صدر هذا التمثال ليس شهوة و انما ليكتشف الفرق بينها و بين اجساد البشر الأحياء .. لكنه لم يفعل .. تذكر تلك القصيدة التي كتبها في الماضي عندما احب شخص ما و لكنه كان يخشي الإعتراف له بالحب لذلك كتب له تلك الكلمات :

" أتمنى ان اصنع لك تمثالاً
لا اخشى منه الرفض
لا أنشد منه إلا الحب .

أتمنى ان اصنع لك تمثالاً
او ان اصبح فارس احلامك
لا اخشى منك الرفض
لا انشد منك إلا الحب . "

تذكر تلك الأبيات و بدأ يفكر .. في الماضي كان يريد التمثال لانه يخشي الواقع و لكنه الآن يتمنى التمثال لانه كره الواقع .. هل حقاً يستطيع ان يعشق تمثال ؟ سؤال راود عقله . و لكن ما المانع ما دام هذا التمثال لن يكذب عليه .. لن يخدعه .. لن يهجره .. لن يرفضه .. ما هذا ؟ هل أصابه الجنون ؟ قاطع تفكيره صوت صديقه الذي خرج من البروفة مرتدياً القميص قائلا له :

- أيه رأيك يا كريم ؟

يصل الهواء محملاً برائحة دخان شيشة التفاح ، يستنشق الهواء البارد المعطر برائحة الشيشة مستمتعاً .. كم يحب تلك الرائحة .. فقط الرائحة لأنه لا يشرب الشيشة و لا أي نوع من الدخان .. تنطلق ذكرى اخرى في عقله .. من يومين حينما ذهب إلي الكافتريا لمقابلة شخص ما تعرف عليه من خلال النت ، كان هذا الشخص يتحدث معه كثيرا على التشات ، و كان يسمعه أحلى كلمات الحب و العشق مثل " انني خلقت فقط لأسعدك .. أنا مستحيل ابعد عنك .. انا اتخلقت علشان اكون جنبك " إلى اخر تلك الكلمات . طلب منه كريم التوقف عن التعبير عن مشاعره تلك حتى يتقابلا في الواقع لانه ليس هناك حب قبل اللقاء في الواقع و لكن الطرف الأخر قال انه لا يهمه شكله و كل ما يهمه تلك الروح التي عشقها .

بعد نهاية اللقاء و عودة كل منهما إلي بيته ثم اللقاء على التشات مرة اخرى قال هذا الشخص له انه لن يستطيع ان يحبه لان كريم مازال يعشق حبيبه السابق و انه هكذا سوف يظلمه معه ، ضحك كريم لهذا الكلام ، و تذكر ان هذا الشخص قال له سابقاً ان ذكريات الماضي لا تضايقه لانها جزء منه .. فهم كريم ان هذا الشخص لم يُعجب بشكله و لكنه كان في حيرة .. ما الذي يدفع انسان ان يقول كلمات حب لا يشعر بها او ان يعطي وعوداً لا يكون قادر على الوفاء بها ، أليس من الأسهل ان يصمت الانسان ان لم يكن هناك مشاعر داخله ، أو أن يكون صريحاً .. لا احد يجبر انسان أخر على اطلاق كلمات حب غير نابعة من القلب .. و لكنه تذكر ان هذا الشخص قال له اثناء حوارهم في الكافتريا انه كان من هواة الجنس الهاتفي .. لهذا لم يستمر كريم كثيراً في حيرته حيث ان كل تلك الكلمات التي قيلت له هي مجرد كلمات .. شىء عادي يقال في كل مكالمة جنسية يجريها هذا الأخر .. عادي .

يدرك كريم جيداً انه ليس من ذوي الأشكال الفاتنة و لا يتمتع بكثير من مظاهر الجمال و لكنه في النهاية انسان يستطيع ان يحب و يتمنى ان يُحب . و أن الجمال الخارجي ليس كل شيء و لا يدوم طويلاً . و يعرف انه يتمتع بالقبول من الأخرين و لديه القدرة على جذب حب الأخرين و يعتقد انها هبة من الله .. أوقات كثيرة يكره كريم شكله و يتمنى أن يكون جميلاً مثل فلان أو فلان و لكن يعود فيقتنع أن كل انسان يحمل داخله مواطن جمال تختلف من انسان لأخر .

ينتبه كريم و ينهض للنزول من العربه حيث محطة نزوله ، يغادر العربة متجهاً نحو بيته يشعر بمشاعر لا يعرف هل هي حزن ، ألم ، يأس ام كل تلك المشاعر معاً .. يصل كريم إلي الشارع الذي يقع به بيته ، من بعيد يرى طفله الصغير يجري نحوه حيث كان يجلس على درجات السلم أمام البيت .. حينما رأى كريم نهض يجري تجاهه ، تلقفه في حضنه و قبله و سأله:

- انت قاعد هنا كده ليه ؟

فقال له الطفل فرحاً :

- كلهم ناموا و أنا قاعد مستنيك .

حضنه كريم مرة ثانية ودخل البيت حاملاً طفله و هو فرحاً شاعراً بالسعادة التي محت كل الهموم و المشاعر الأخرى التي كانت داخله منذ قليل . فما زال هناك من يحبه كما هو .


28 July 2008

ليلتها الأخيرة .. قصة قصيرة

لم تأتي المشاهد الجنسية بهذه القصة لخلق الإثارة لدى القراء ، و إنما لتوضيح الدوافع و الأسباب الدرامية التي دفعت بعض شخصيات القصة للقيام بفعل معين او كرد فعل لما حدث ، و اذا تم التغاضي عن هذه المشاهد ستكون الدوافع هشة غير مقنعة و غير محركة لردود أفعال بعض الشخصيات .. أتمنى لكم قراءة ممتعة


قاد سيارته في شوارع القاهرة المزدحمة متجهاً إلى صالون الحلاقة الفاخر الذي اعتاد الذهاب إليه لقص و تهذيب شعره .. تلك الصالونات الحديثة التي قاربت فيما تقدمه من خدمات الكوافيرات الخاصة بالسيدات .. فلم يعد هناك فرق بين المكانين .. و لكن تلك المرة كانت غير المرات السابقة لزيارة هذا المكان .. فاليوم هو يوم زفافه .. و قد تم تحديد هذا الموعد لتجهيزه لهذه المناسبة منذ عدة أيام .

بعد عناء وجد مكان بعيد قليلاً عن صالون الحلاقة ليركن به سيارته ، حيث لا يوجد مكان شاغر في تلك المدينة المزدحمة بالناس و السيارات .. نزل من السيارة بخطى سريعة نحو الصالون .. دفع الباب الزجاجي أمامه ثم دلف إلى الداخل .. قابله شاب مبتسماً قائلا له :

- أهلا استاذ سمير
- أهلا حمدي .. معلش اتأخرت شوية .. المواصلات و الزحمة
- و لا يهم حضرتك .. اتفضل هنا .. ثواني هبعت لحضرتك أحمد .. ده واحد جديد هنا ، بس بجد فنان .. ان شاء الله يعجبك شغله
- حمدي .. النهاردة فرحي .. مش عاوز حد يجرب فيا
- ( ضاحكا ) لا لا متقلقش خالص .. على مسئوليتي

جلس سمير في المكان المخصص للحلاقة ينظر في المرآة التى أمامه منتظراً أحمد .. ذلك الشاب الجديد الذي سوف يهذب له شعره .. بعد قليل يظهر شاب يتجه نحوه .. طويل القامة يتمتع جسده ببناء عضلي وفير ذو بشرة داكنة وسيم تملاء وجهه ابتسامة تظهر اسنانه ناصعة البياض يرتدي قميص ضيق مفتوح حتى منتصف الصدر تظهر عضلات صدره الخالي من الشعر .. و بنطلون ضيق يبرز عضلات فخده .. يتفحصه سمير من خلال المرآه باعجاب شديد .. تتسمر عيناه على منطقة تلاقي الفخدين حيث يوجد هناك بروز ملحوظ .. و الذى ينم عن وجود إير ضخم هناك اسفل هذا البنطلون الذي لا يداري بقدر ما يكشف من اسرار هذا الجسد الرائع الذي اثار سمير منذ رأه .. اقترب الشاب من سمير قائلا :

- أهلا استاذ سمير .. عرفت ان النهاردة فرح حضرتك .. ألف مبروك ربنا يتمم لك بخير
- أهلا احمد .. متشكر ليك و عقبالك
- ربنا يخليك .. ياله نبتدي .. و يا رب شغلي يعجب حضرتك
- عاجبني من قبل ما تبتدي

ضحك الاثنان و شرح سمير لأحمد عن الشكل الذي يفضله لقص شعره .. و بدأ أحمد عمله بغسل شعر سمير الذي اغمض عينيه تاركا نفسه بين يدي أحمد يلمس شعره و رأسه شاعراً بلذه و كانهم في سرير يمارسان الحب و ليس في محل حلاقة .. بالفعل كان أحمد ماهر في عمله .. و كان سمير بين الحين و الأخر – كلما اتيحت له الفرصة – ينظر إلى هذا البروز الذي يتمتع به بنطلون أحمد .. و انتهز سمير وقوف احمد بجوار المسند الذي يسند سمير ذراعه عليه ، حيث رفع سمير يده متظاهراُ انه يزيل شىء ما من على وجهه فاصطدمت يده بهذا الانتفاخ الذي أثاره منذ ان رأه .. انتفض احمد عند اصطدام يد سمير بعضوه الذكري و نظر في عيني سمير الذي اعتذر له مبتسماً ، فابتسم له احمد و أكمل عمله و لم يبدي ضيق مما حدث .. و هذا شجع سمير على الخوض في تخيل شكل هذا الشيء الكامن هناك خلف هذا البنطلون و انه استطاع أن يلمسه بحرية .. أوشك أحمد على الانتهاء من تهذيب شعر سمير .. الذي قال لأحمد :

- ينفع تيجي معايا البيت علشان لسه هاخد شور و ألبس البدلة و بعدين انت تضبطلي شعري بالسشوار و اللمسات الأخيرة بقى
- أكيد طبعا ممكن .. بس حضرتك لازم تقول لإدارة المحل الأول.
- مفيش مشكلة .

لم تمر دقائق بعد الانتهاء من الحلاقة حتى خرج سمير مصطحبأً احمد معه .. بعدما جمع أحمد الأدوات اللازمة لاتمام عمله هناك في بيت سمير و قد دفع سمير تكاليف الحلاقة و رسوم اضافية مقابل اصطحاب احمد معه لبيته و اتجها سويا نحو السيارة .

كان سمير فرح لانه سوف ينفرد بهذا الشاب الذي افتنه منذ أن راه .. جلس أحمد بجوار سمير الذي قاد سيارته مسرعاً إلي الشقة التي سوف يتزوج بها و التي سيبدأ بها حياته الزوجية الليلة .. وصلا سمير و أحمد للعمارة التي تقع الشقة بالدور الخامس بها .. نزل الاثنان استقلوا المصعد .. دخلا الشقة و بدأ سمير الكلام مرحبا بصيده الثمين :

- اتفضل .. اتفضل .. مفيش حد هنا .. أيه رأيك في الشقة ؟
- جميلة يا استاذ سمير .. ربنا يتمم لك بخير
- انت خاطب او متجوز يا أحمد ؟
- لا و الله .. يعني شويا كده لما الظروف تتحسن .. لسه بدري
- طيب تشرب أيه ؟
- مفيش داعي ، متتعبش نفسك
- يا راجل لا تعب و لا حاجه ، أنا هجيب لك عصير

دخل سمير المطبخ و احضر كوب من العصير لأحمد و اعطاه اياه .. ثم ذهب لحجرة النوم احضر بعض الملابس الداخلية ثم ذهب إلي الحمام .. تجرد من كل ملابسه .. فتح صنبور الدش و تركه قليلاً ثم اغلقه ثم نادى بصوت عالي على احمد الذي قام من مكانه و اقترب من باب الحمام قائلاً :

- أيوة يا أستاذ سمير ؟
- معلش يا أحمد أنا نسيت الفوطة على السرير في أوضة النوم .. ممكن تجبهالي ؟
- حاضر

ذهب أحمد إلي حجرة النوم و أحضر المنشفة التي تركها سمير هناك عمداً و عاد إلى الحمام و طرق على الباب قائلاً :

- اتفضل الفوطة يا استاذ سمير
- ادخل يا أحمد

فتح أحمد الباب ليجد سمير يقف عارياً معطياً ظهره نحو الباب متظاهراً بإنشغاله بتنظيف ذراعيه بالصابون و تاركاً الفرصة لأحمد ليتفحص جسده بحرية .. كان سمير يتمتع بقوام رائع و بشرة بيضاء ناعمة خالي من الشعر و خصر نحيل و أرداف ممتلئة و فخذ رائع .. وقف احمد مذهولاً مرتبكاً .. لا يعرف ماذا يقول .. أدار سمير رأسه مبتسماً ناظراً لأحمد :

- أيه مالك ؟ مكسوف و لا أيه ؟
- ها ؟ لا عادي .. اتفضل الفوطة

اقترب أحمد من سمير ليعطيه المنشفة و عيناه ما تزال فوق تلك الأرداف .. نظر سمير الي بنطلون أحمد فوجد أن الانتفاخ قد زاد حجمه فقال لأاحمد :

- بقولك أيه ممكن تدعكلي ظهري ؟
- ها ؟ أه طبعا ممكن.
- طيب اقلع هدومك علشان الميه

في لمح البصر تلخص أحمد من كل ملابسه حتى الداخلي منها ... و التحق بسمير و بدأ العمل .




** 2 **


أمام إحدي محلات الزهور و بجوار السيارة التي يتم تجهيزها و تزينها بالورود لتكون عربة زفاف العروسان ، يقف كريم ممسكاً الموبيل و يبدو على وجهه الضيق ، محاولاً الاتصال بصديقه سمير . و فجأة يبدأ كريم الحديث في الهاتف :

- ايوة يا ابني انت فين ؟ بقالي ساعة عمال اتصل بيك و انت مش بترد عليا ليه ؟

يصمت قليلاً ثم يكمل كلامه :

- طيب انت فين دلوقتي ؟ في شقتك ؟ طيب 10 دقايق هكون عندك .. سلام

يركب كريم سيارة الزفاف و يتجه بها إلى شقة سمير .. ينزل كريم مسرعاً و يصعد للدور الخامس .. يدق جرس الباب فيفتح سمير مبتسماً و لكن كريم يدخل قائلاً بصوت مرتفع :

- عاوز افهم ساعة كاملة بتصل بيك و مش بترد عليا ليه ؟
- كنت عامل الموبيل صامت
- ليه بقى ان شاء الله ؟
- اسكت .. ياااااه يا كريم .. شفت ولد زي القمر عند الحلاق .. جبته هنا بحجة انه يكمل الشغل هنا .. و أية مقولكش .. ساعة كاملة نايم معايا .. كأنه أول مرة يمارس جنس .. موتني .. كنت طاير من السعادة و المتعة.
- ( غاضباً ) انت بتستهبل ؟!! أية اللي بتقوله ده ؟ تعمل سكس مع واحد أول مرة تشوفه و متعرفش عنه حاجة و هنا في البيت اللي هتتجوز فيه و يوم فرحك ؟؟ لا دا انت مجنون.

- و أية المشكلة ؟ بجد كانت تجربة حلوة قوي .. يخرب بيته .. انا كنت بصرخ من المتعة تخيل ؟
- بجد أنا اللي مش عارف انت بتفكر إزاي ؟ صحيح إحنا اصحاب بس تفكيرنا مختلف جداً .. حد غيرك كان يفكر هيعمل أيه الليلادي مع عروسته .. فكرت ف الموضوع ده ؟

- يا عم .. عادي يعني .. هيحصل أيه ؟ الموضوع بسيط انتصاب و تك تك تك و خلاص .. مش صعبة يعني

- و الله بجد مش صعبان عليا إلا داليا المسكينة .. انت مش حاسس انك هتظلمها ؟

- اظلمها ليه ؟ هتتجوز و تبقى ف عصمة راجل و تعيش معززة مكرمة .. و هجبلها كل اللي تطلبه .. البنات اليومين دول بيحلموا بلقب زوجة .. و بيهربوا من لقب عانس .

- طيب و الحب و الحياة الزوجية و الجنس بينكوا ؟ فكرت في ده كله ؟

- سيبك سيبك .. كام شهر و تحمل و بعدين تتلخم في البيبي و خلاص .. مش هتبقى عاوزة جنس .. الموضوع سهل

- مين قال كده ؟
- هو كده
- طيب و حياتك التانية .. قصدي علاقاتك المثلية .. هتستمر ؟
- طبعا هتستمر
- بنفس الشكل ؟
- أي شكل ؟
- تقابل أي حد .. و تنام معاه .. سكس و خلاص
- طبعاً .. أمال عاوزني ابقى عبيط زيك .. أدور على واحد و احبه و اموت عليه و يذلني و اتبهدل .. إلى اخر تجاربك الخايبة دي .. حب ايه و استقرار ايه ؟ .. عاوز تستقر اتجوز واحدة زيي كده .. و عيش حياتك التانية بحرية

علامات الحزن تطفو على وجه كريم و يكمل كلامه قائلاً : يمكن يكون عندك حق ان تجاربي كلها فاشلة و مش قدرت ألاقي الشخص المناسب .. بس فعلا انت لو جربت الحب بجد و جربت تنام مع حد بتحبه .. هتفهم الفرق .. و بعدين على الأقل مش بظلم حد معايا .. و جوازي من واحدة عمره ما هيبقى استقرار

- ههههههه طيب يا عم الروميو .. كفاية بقى أنا خلاص خلصت لبس .. قولي أية رايك ؟

- زي القمر .. ما تجيب بوسة بقى يا واد

- ههههههه لاء يا خويا مش ببوس رجالة

- يا سلام ؟ بأمارة الحلاق .. يا بتاع الحلاق

- بس بقى متفكرنيش.

يضحك الاثنان و ينزلان إلي سيارة الزفاف .. يذهبان إلى بيت العروس حيث يتجمع الأهل و الأقارب .. و يذهب الجميع إلى الكوافير لإصطحاب العروس ثم الذهاب إلى الأستديو لإلتقاط صور الزفاف .. ثم يتجه الجميع إلى قاعة الفرح حيث باقي الأهل و الضيوف حيث يبدأ الأحتفال بدخول العروسين و يستمر الغناء و الرقص حتى الثانية بعد منتصف الليل حيث ينتهي الاحتفال و يزف العروسان إلي شقة الزوجية و ينصرف الحضور كل إلى بيته و تبدأ الحياة بين داليا و سمير .



** 3 **


دخل العروسان سمير و داليا شقتهم بعد توديع من جاء معهم من الأهل و الأقارب .. اتجها إلى حجرة النوم .. جلست داليا على حافة السرير تنظر لاسفل يملاءها الخجل و الخوف الممزوجان بالسعادة ، بينما سمير اسرع إلى تغيير ملابسه و ارتدى بيجامة حريرية .. رمقته داليا عدة مرات أثناء استبداله ملابسه .. حدثتها نفسها أن زوجها له جسد رائع مثل المودلز و هؤلاء الشباب الذين يظهرون في الفيديو كليبات مع المطربات .. كانت تشعر انها محظوظة .

غادر سمير حجرة النوم تاركاً لها المجال لإستبدال ملابسها .. طالباً منها اللحاق به إلى لحجرة المعيشة .. اسرعت داليا باستبدال فسان الفرح بقميص نوم مثير و ارتدت فوقه روب و خرجت حيث يجلس سمير الذي كان يشاهد التلفاز ، طلب منها ان تحضر لهما كوبان من العصير حيث لم يكن لديهما الرغبة في تناول أي طعام فقد تناولوا بعض الطعام من بوفية الفرح سويا .. احضرت العصير و جلست بجواره حيث بدأ سمير في تناول العصير قائلاً :

- يااااه الفرح كان رائع
- اه فعلاً .. مبروك يا حبيبي
- بس عارفة كان يوم مرهق بشكل .. انا حاسس اني مش قادر اتحرك .. ياله بينا ننام
- اوكي

اسرع سمير إلى السرير مستلقياً فوقه ناظراً لسقف الحجرة و دخلت داليا ووقفت لا تدري ماذا تفعل .. حتى نظر سمير لها قائلاً :

- مالك واقفة كده ليه ؟
- لا مفيش
- طيب تعالي هنا

اقتربت داليا من السرير و كلها خجل و جلست بجواره فقال لها :

- بقولك أيه .. متهيالي اننا مرهقين قوي النهاردة .. الفرح و الدوشة .. أيه رأيك ننام النهاردة و بكرة يبقى فيه كلام تاني يا قمر

لم تعرف داليا ماذا تقول غير ايماءة برأسها بالموافقة و استدارت جاعلة ظهرها له و نامت مفتوحة العينين و عقلها مزدحم بالكثير من الأفكار .. تسترجع علاقتها بسمير منذ اللحظة الأولى التي رأته فيها عندهم في منزلهم في زيارة التعارف الأولى لهم .. ترتفع علامة استفهام كبيرة خلف هذا السؤال الصغير .. هل سمير يحبها ؟ صحيح ان جوازهم كان جواز تقليدي او جواز صالونات كما يسميه بعض الناس حيث لم يكن هناك سابق معرفة بينه و بينها .. فقط رأته عندما جاء هو و امه لزيارتهم للتعارف .. اعجب بها و كذلك هي .. شاب وسيم و رقيق و غني ذو وظيفة مرموقة قادر على توفير حياة كريمة لها .. شاب جاء من الباب لا يريد شىء سوى الزواج بها .. بالتأكيد يحبها .. صحيح انه أخبرها بأنه ليس من النوع الرومانسي الذي يقول كلمات الحب و ان حبه من النوع العملي و بالفعل فقد عبرعن حبه لها عن طريق الكثير و الكثير من الهدايا القيمة ربما ليعوضها عن كلمات الحب التي نادراً ما يُسمعها إحداها .

اذا فهو يحبها .. حاولت داليا اقناع نفسها بهذه النتيجة التي توصلت لها و لكن سؤال اخر يلح عليها .. هل هو سعيد بالزواج منها ؟ .. اجابت على نفسها بالتأكيد سعيد .. هل يتزوج انسان إلا اذا كان يحب و يريد أن يكون سعيد .. لامت داليا نفسها كثيراً .. لما كل هذا ربما حقاً هو متعب .. ما العيب في ذلك ؟ ظلت تصارع افكارها حتى غلبها النعاس و راحت في النوم . أما سمير فقد نام سريعاً و لم يشغل عقله أي تفكير .



** 4 **


مر اليوم الثاني سريعاً بين زيارات أهل العروسين و مشاهدة التلفاز و الحديث في موضوعات كثيرة و بعض مكالمات الأصدقاء لتهنئة العروسين حتى جاء المساء .. و بعد تناول العشاء اتجهت داليا لحجرة النوم .. ارتدت قميص نوم مختلف أكثر اثارة من ثوب الليلة السابقة و جلست أمام المرآة تعد نفسها لأول لقاء بينها و بين زوجها و أول تجربة جنسية لها في الحياة .. وضعت اطيب العطور لديها و جلست تلعب بخصلات شعرها المسرتسل الي اسفل ظهرها حتى دخل سمير عليها .. اتجه نحوها امسك يدها فنهضت واقفة .. اخذها بين ذراعيه و ضمها لصدره و طبع قبلة فوق رقبتها ثم قال لها :

- حلو قوي القميص ده

احمر وجهها و نظرت لاسفل خجلاً و لكن سمير استرسل في كلامه :

- ممكن اطلب منك حاجة .. هو طبعا مفيش كسوف بين الزوجين و كل واحد لازم يرضي الطرف التاني و يريحه
- أيوة طبعا .. عاوز اية ؟
- ممكن تلبسي بيجامة من بتوعي بدل القميص ده .. هكون مبسوط اكتر

نظرت داليا إليه بإستغراب شديد فقال معقباً :

- ده شىء عادي .. أنا ببقي مثار أكثر و مفهاش حاجة
- ( سكتت قليلاً ثم قالت ) حاضر .

احضر سمير لها البيجامة من دولابه و اعطاها لها .. اسرعت داليا إلى الحمام يملاءها الكثير من الحيرة و الاستغراب و عدم القدرة على فهم ما يحدث و لكنها انصاعت لرغبة سمير و استبدلت القميص بالبيجامة و عادت سريعاً لحجرة النوم حيث وجدت سمير مستلقي بمنتصف السرير نائما على وجهه فوقفت لا تعرف ماذا تفعل حتى رفع سمير رأسه نحوها قائلا :

- بتعرفي تعملي مساج ؟
- يعني مش عارفة .. مش قوي
- تعالي انتي بس مشي ايديكي على ظهري .. الموضوع سهل

جلست بجواره و مدت يدها تمررها فوق ظهره فأمرها ان تعتدل في جلستها و ان تجعل جسده بين رجليها و كانها تمتطي حصان .. ففعلت و بدأت في عمل المساج له .. لا تعرف ماذا تفعل و لكنها تنفذ كل ما يأمرها به .

داليا لم يكن لديها خبرة أو ثقافة جنسية تذكر بحكم التنشئة الصارمة .. لذلك انصاعت لأوامر سمير مقنعة نفسها ان ما يحدث الآن ربما يحدث بين كل الأزواج .. كيف او من أين لها ان تعرف ما يدور في غرف النوم المغلقة .

استمرت في عمل المساج لسمير الذي كلما اقتربت يداها من منطقة اسفل الظهر اطلق هو آهه صغيرة تعبيراً عن استمتاعه بما تقوم قائلاً لها :

- تعرفي انت ايديكي تتلف في حرير

لم تجيب هي بشيء و لكنه أكمل كلامه :

- عارفة أصحابي بيقولولي إن الهنش ( الأرداف ) عندي عالي قوي و بيحسدوني قوي على الموضوع ده و بيقولوا ان الستات بتحب الرجالة اللي هنشها عالي .. أيه رأيك ؟

سكتت قليلاً و لكنها قالت بصوت منخفض : آه عندهم حق.

فأجاب سريعاً بمد يده إلى الخلف و انزال بنطلونه إلى اسفل كاشفاً أردافه لها قائلا :

- طيب اعملي مساج هنا كمان

مرت لحظة من الصدمة لم تتحرك يد داليا للحظات .. ثم استكملت عملها محاولة اقناع نفسها بأن هذا شىء عادي يحدث بين كل الأزواج و ان هذا زوجها و ليس هناك عيب فيما يحدث .

و بدأت في الإمساك بتلك الأرداف الممتلئة الناعمة الملمس الخالية من الشعر و بدأت في الضغط عليهما و بدأ هو في اطلاق بعض آهات المتعة إلى ان نهض سمير من وضعه و أخذ داليا بين ذراعيه ارقدها في موضعه على السرير و هجم على رقبتها يقبلها و يداه في اسفل البنطلون لديها .. قام بانزاله قليلاً ثم نام فوقها و إخترقها فأصدرت داليا صرخة و سالت قطرات دم قليلة لم يعبأ سمير بها .. ثم ثواني معدودة بعد ذلك حيث شعرت داليا بسائل ساخن يجري داخلها مصاحبا لصرخات سمير و سريعا نهض سمير عنها مرتمياً بجوارها على السرير نائماً تاركاً داليا وحدها .

مرت 10 دقائق و داليا مكانها بدون حركة .. ساكنة على نفس الوضع .. لا تعرف ماذا حدث او ما يحدث ..أهذا هو الجنس ؟ أي متعة تلك ؟ أي لذة هناك يتحدث عنها الناس .. ها هي لم تشعر بأي لذة .. فقط الآلم .. بعد قليل بدأت تشعر بمغص أسفل بطنها .. قامت إلى الحمام .. دفعت نفسها أسفل الدش ظلت هناك لفترة طويلة .. ثم قامت بارتداء قميص نومها و عادت إلى السرير تبحث عن النوم .. و لم تجده بسهولة .



** 5 **


مرت عدة شهور على الحياة بين داليا و سمير .. تكررت اللقاءات الجنسية بينهم على فترات متباعدة .. حيث لم يكن سمير مهتم و داليا كانت تزداد نفوراً من تلك اللقاءات .. حتى جاء ما يخلصها من تلك اللقاءات .. انه الحمل .. و من بعده الولادة و الانشغال بالطفل .. بعد ذلك لم يعد هناك مجال لتلك اللقاءات الجنسية بينهم .

بالطبع لم تتخلص داليا من غريزتها الجنسية .. لكنها وجدت طريقة أخري لاشباعها بعيداً عن سمير و طلباته الغريبة و لقاءاته التي تخرج منها حزينة و مكتئبة .. انها العادة السرية .. وجدت بها لذتها المفقودة في فراش الزوجية و كانت تمارسها اثناء الاستحمام .. و بعض الأوقات عندما يكون زوجها في العمل .

و على الرغم من المتعة التي وجدتها بها إلا انها كانت متعة مؤقتة .. سريعاً ما كانت تشعر بالضيق و الغضب بعدها .. استمرت على هذه الحالة عدة سنوات .. لدرجة انها بدأت تشك بأنها انسانة غير سوية .. هلى هي مريضة ؟ كيف لا تجد لذة في السرير مع زوجها و تجدها في العادة السرية ؟

بدأت داليا تبحث و تقرأ كل الموضوعات و المقالات و الدراسات التي لها علاقة بالجنس و العلاقات الزوجية على النت و كذلك بدأت تبحث عن تلك التصرفات الغريبة لزوجها في السرير و طلباته التي يأمرها بها .. هل هو ايضا يعاني مشكلة نفسية .. هل هو ايضا غير سوي ؟

أما سمير فقد استأجر شقة صغيرة في احدى المناطق الجديدة قليلة السكان و كان يذهب هناك عندما يجد شاب مناسب يعجبه ليمارسا الجنس سويا .. تعرف سمير على الكثير من الرجال و قضى أوقاتا كثيرة في شقته غير عابئاً بحقوق زوجته الجنسية و غير عابئاً بما يفعله .. نصحه كريم كثيراً ان يحاول الإرتباط بشخص واحد و أن يراعي تلك الزوجة المسكينة و لكن سمير لم يقتنع بهذا الكلام و استمر فيما يفعله .



** 6 **


قرأت داليا الكثير من الأبحاث حول العادات الشاذة في العلاقات الزوجية .. بدأت فكرة تختمر في عقلها ..هل زوجها شاذ ؟؟ .. هل كل ما يطلبه منها اثناء لقاءه الجنسي معها هو مجرد محاكاه و كانه ينام مع رجل أخر ؟ أثارت تلك الفكرة غيظها و اشمئزازها .. ليست متأكدة و لا تملك دليل قوي على هذا .. ربما الموضوع مجرد مصادفة .. لم تهدأ الافكار داخلها .. لو كان شاذاً لما تزوجها ؟ لماذا خدعها كل تلك الفترة ؟ لماذا ظلمها معه ؟ لماذا سلبها أهم حقوقها ؟

أليس من حقها أن تشعر بأنها أنثى ؟ و ان هناك من يرغب بها و بكل منطقة في جسدها ؟

بدأت جذور الكراهية له تنمو داخلها .. لو اكتشفت انه شاذ و يخونها و يمارس الجنس و يشبع رغباته خارج البيت غير عابئا بحقوقها و لا مشاعرها سوف تقتله .

نمت داخلها فكرة الانتقام .. تريد ان تتكلم مع اي انسان لينصحها ماذا تفعل و لكن كيف ومع من .. كيف تستطيع أن تفتح الحوار في هذا الموضوع الشائك مع اى شخص .. قررت انه ان تستعيد رشدها و هدوئها أولا حتى ترتب أفكارها و خطواتها لتصل للحل السليم .

" يجب أولا ان أتأكد من انه شاذ .. ثم بعد ذلك يأتي الانتقام .. ليس لانه شاذ و لكن لانه سرقنى و خدعنى و عاش حياته و حرمنى من حياتى .. لن أرضى أن أعيش معه .. لو كان قال لى حقيقة الأمر منذ البداية ربما رضيت به و بظروفه و لكن أن يخدعنى و يخوننى غير عابئاً بحقوقى و لا بانسانيتى .. لا لن اسامحه ابداً ."

بدأت داليا في مراقبة سمير .. كان بعدما يعود للعمل و يسترح قليلاً ثم يعاود الخروج كانت تذهب خلفه في احدى التاكسيات التي اتفقت مع قائده ان يكون تحت امرها طوال الوقت .. مر اليوم الأول بشكل عادي .. ذهب سمير للجلوس باحدى الكافتريات حيث مكث هناك لوقت طويل ثم خرج و عاد للبيت .. لم تسفر المراقبة في هذا اليوم عن شىء .. و جاء اليوم الثاني .. ذهب سمير لنفس الكافتريا و لكن لم تمر نصف ساعة حتى خرج من الكافتريا و معه شاب .. كان يضحكان سويا .. اتجها الاثنان نحو سيارة سمير .. انقبض قلب داليا و امرت السائق ان يلحق بسيارة سمير .. حتى وصلا إلي الشقة الثانية التي يستخدمها سمير للقاءاته الغرامية .

نزل سمير مصطحبا الشاب و اختفيا في مدخل العمارة .. لم تنزل داليا من التاكسي و طلبت من السائق العودة إلي بيتها .. حاولت الاتصال كثيرا بسمير و لكنه لم يجيب على الموبيل .. بعد مرور ساعة تقريبا اتصل هو بها قائلا انه كان مشغول في اجتماع هام .

في اليوم التالي ذهبت داليا صباحاً إلي تلك العمارة التي دخلها سمير والشاب ليلة أمس بعدما تأكدت ان سمير في عمله .. عندما دخلت العمارة استوقفها حارس العقار قائلاً :

- أيوة يا ست هانم ؟ أيتها خدمة ؟
- أيوة هي شقة استاذ سمير في الدور الكام؟
- هو مش فوق دلوقيت
- طيب المدام مش فوق ؟

نظر لها الحارس نظرة استغراب و قال لها :

- ما خبرش

اخرجت داليا 20 جنية من حافظتها و اعطتها للبواب .. فاجابها سريعا مبتسما :

- استاذ سمير مش عايش هنا .. و مفيش حد عايش معاه .. هو كل يومين تلاته يجي هو و واحد صحبه يقعدوا ساعتين تلاته و يمشوا طوالي

انصرفت داليا و هي تشعر بالغضب .. و الرغبة في الانتقام تملأها .. اذا فهو يخونها .. و يمارس الجنس مع شباب .. لابد ان تواجهه .. لابد ن تطلب الطلاق منه .. لابد ان تحتفظ بطفلها بعيدا عنه .. و لكن كيف كل هذا ؟ .. وجود تلك الشقة ليس دليل كافي على ادانته .. لابد من وجود دليل مادي على خيانته و شذوذه .. لو استطاعت أن تدخل الشقة أثناء ممارسته الجنس مع رجل اخر و ان تصورهم .. وقتها سوف تنتقم منه شر انتقام و تأخد كل حقوقها و طفلها منه .. و لكن كيف ذلك ؟

مرت أيام و هي تحاول تجنبه .. لا تطيق النظر إليه .. قررت الابتعاد عنه قليلا لتهدأ و تستطيع الوصول لقرار في كيفية الحصول على دليل قوي .. قررت السفر الي الاسكندرية بحجة انها تريد تغير جو لانها تمر بحالة اكتئاب .. لم يعترض هو على سفرها .. هناك .. وصلت لفكرة .. رغم عدم تأكدها من نجاحها الا انها بدأت في تنفيذها .



** 7 **


عادت داليا إلي القاهرة سريعا .. ذهبت إلي احدى محلات الأجهزة الالكترونية و اشترت واحدة من تلك الكاميرات الحديثة صغيرة الحجم ذات الجودة العالية .. و اخذت تبحث على النت عن العقارات المخدرة و تأثيرها على الانسان .. كانت تبحث عن عقار يساعد على الاسترخاء و يفقد الانسان الوعي بشكل جزئي .. ليس منوم و لكن عقار يفقد القدرة على التمييز .. ظلت تبحث و تقرأ الي ان وصلت الي عقار الهلوسة حيث يصاحب تناول هذا العقار هلوسات بصرية وسمعية أي أن تأثيره الرئيسي هو إثارة تغيرات في الحالة النفسية والإدراك والرؤية والإحساس بالوقت و استطاعت داليا عن طريق احدى الصديقات التي دلتها على احدى الصيدليات المشبوهة التي تتاجر بالادوية المخدرة الممنوع تداولها الا بوصفة من الطبيب المعالج و ذهبت هناك و طلبت الدواء الذي حفظت اسمه و دفعت اكثر من ثمنه الفعلي بكثير و عادت به إلي بيتها و اخفته في دولابها الخاص .

لم ينقصها سوى سلاح واحد من تلك الأسلحة التي سوف تستخدمها لإتمام خطتها .. و التي وجدت طريقة للحصول عليه عن طريق صديقة لها كانت في رحلة لأوربا .. اتصلت بها داليا و طلبت منها ان تشتري لها عضو ذكري صناعي .. ذلك النوع الذي يربط بحزام حول الخصر و الذي تستخدمه البنات الساحقيات في الافلام الجنسية .. كانت داليا تشعر بالخجل من هذا الطلب و لكن رغبتها في الانتقام محت الخجل من داخلها .. و قد سألتها صديقتها ضاحكة :

- هو سمير خلاص فصل شحن و لا أيه ؟
- لا يا حبيبتي سمير ده سيد الرجالة .. ده مش ليا .. دا لواحدة صحبتي و ربنا أمر بالستر بقى

وعدتها صديقتها انها سوف تعود من رحلتها الاسبوع القادم و ستحضر معها ما طلبته منها .

طوال هذا الاسبوع بدأت داليا في ترتيب تفاصيل تلك الليلة و السيناريو الذي ستستخدمه ليلتها .. حتى أنها جربت الكاميرا في أوضاع و أماكن مختلفة حتى وصلت لأفضل زواية تصوير ممكنة حيث تكون الكاميرا غير مرئية و تكون الصورة واضحة لتلك المساحة التي ستدور بها أحداث الليلة الأخيرة لها في هذا البيت .

كانت داليا تستعد و كأنها ممثل جديد سوف يقف على خشبة المسرح لأول مرة في حياته و سيكون صاحب دور البطولة .. و يخشي الفشل الذي قد ينهي على مستقبله كله .. و تتمني النجاح لتنتقم للماضي و تفوز بحياتها القادمة .

و مر الأسبوع و عادت صديقتها من الرحلة و ذهبت داليا إليها و حكت لها صديقتها عن كل ما رأته هناك في تلك الرحلة الشيقة و لكن عقل داليا لم يكن معها كانت فقط تحرك رأسها كأنها تسمعها و لكنها لم تكن كذلك .. حتى قامت صديقتها و احضرت لها علبة لم تستطع داليا - التى احمر وجهها خجلا و خوفا – أن تفتح العلبة .. فقط سألت صديقتها عن ثمن هذا الإير الصناعي و اعطتها ثمنه و قامت سريعاً ينبض قلبها خوفاً و كأنها تحمل سلاح جريمة قتل سوف ترتكب على يديها .

قررت داليا تأجيل العملية إلى الغد حتى تهدأ أعصابها قليلا .. دخلت الحمام اخرجت الأير من علبته .. اصابها الذهول عند رؤيته .. لفت الحزام حول خصرها و ارتدته لتجرب استخدامه و نظرت في المرآة لترى شكله .. نظرت لنفسها بإشمئزاز ثم بصقت على صورتها في المرآة قائلة :

- أعمل أيه لازم أخد حقي .


** 8 **

ذهب سمير إلي عمله في الصباح كالعادة .. بدأت داليا في الاستعداد ليوم الانتقام و ليلتها الأخيرة .. اخذت طفلها إلى أمها و طلبت منها أن تعتني به لأن سوف تخرج هي و سمير الليلة و لا يستطيعوا اصحاب الطفل معهم .

بدأت داليا بتنفيذ كل الخطوات التي تمرنت عليها سابقاً .. دخلت حجرة النوم و جهزت الكاميرا في المكان المناسب و بدأت تجهز العشاء .. بعدما وصل سمير .. تناولا الطعام سويا و جلس يشاهد التلفاز .. قامت داليا باعداد كوب من الشاي حيث أذابت قرص من العقار الذي اشترته – عقار الهلوسة – و اعطته لسمير ثم دخلت حجرة النوم و ارتدت ترنج سوت و أدارت الكاميرا .. ثم خرجت لسمير الذي قد تناول كوب الشاي فقالت له :

- ما تيجي اعملك مساج
- ما ليش مزاج .. انا راجع مرهق
- لا مش قصدي .. مساج و بس .. علشان انت مرهق

قام سمير يتبعها لحجرة النوم .. استلقي سمير فوق السرير طلبت هي منه ان يتخلص من ملابسه الخارجية .. ففعل .. و نام مستلقياً على وجهه .. و بدأت هي بعمل المساج .. و بدأ مفعول عقارالهلوسة في العمل .. كلما قاربت يداها من منطقة اسفل الظهر بدأ هو في الارتفاع بخصره .. بعد وقت قليل أزالت ملابسه الداخلية و بدأت العمل في منطقة الأرداف و بدأت آهات الاستمتاع تخرج من سمير بدون وعي او حسبان .. و قد أحضرت داليا جيل مرطب وضعته اسفل السرير مع الإير الصناعي .. مدت يدها اسفل السرير و احضرت الجيل و بدأت اداخل أطابعها في فتحة الشرج لديه .. صاحب هذا آهاته العالية طالباً المزيد .

تأكدت داليا الآن ان سمير واقع تحت تأثير العقار و ان شهوته و رغبته لممارسة الجنس أكبر من وعيه المغيب حالياً .. قامت عنه انزلت بنطلونها قليلاً و ارتدت الإير الصناعي.

و بدأت في اختراق سمير بالإير الصناعي .. و علت صرخاته – صرخات الألم و المتعة – و علا صوته يطلب اقتحامه أكثر و بقوة .

كانت داليا تستخدم الإير الصناعي كخنجر تطعنه به بكل قوتها و كان يزيده هذا صراخاً و رغبة .. غير واعياً ان من يمارس معه الجنس هي زوجته و ليس رجلاً من هؤلاء الذين ناموا معه .. و في أثناء ذلك كانت دموعها تنهمر سيلاً على وجهها و هي تندفع داخله .. لا تعرف هل هي تبكي على سنين عمرها الماضية و التي ضاعت منها .. أم هي تبكي على من دفعها للقيام بدور غير دورها في الحياة .. أخذت تطعنة لفترة طويلة حتى صرخ معلناً وصوله للنشوة و القذف .. خلعت الإير عن جسدها و القته على الأرض .. تركت سمير الذي يبدو ان تلك الطعنات انهكته فنام و خرجت هي لحجرة المعيشة - معها الكاميرا التي سجلت ما دار هناك في ارض المعركة - منهارة غير مصدقة ما حدث .

مكثت قليلا حتى هدأت .. مسحت دموعها عن وجهها .. استرجعت ما تم تصويره على الكاميرا .. وجدت التصوير جيد حيث يظهر جسد سمير كاملاً في كادر التصوير و جزء من جسدها – الجزء الأهم منها – تلك المنطقة التى تقع اسفل الصدر و اعلى الركبتين و بالطبع هذا الأير العظيم الذي يظهر كاملا مقتحما جسد سمير و صرخات سمير المعبرة عن النشوة و الاستمتاع .. ظهرت الابتسامة على وجهها حيث شعرت بالانتصار لعمرها .

أوصلت الكاميرا بالكمبيوتر .. وضعت نسخة مما سجلته الكاميرا على الكمبيوتر .. اسمت هذا الملف الليلة الأخيرة .. اغلقت الحاسب و وضعت الكاميرا في تلك الشنطة التي جمعت بها ملابسها و اشياؤها الهامة واثقة ان سمير لن يشعر بها و خرجت من الشقة إلي بيت أهلها بعدما كتبت خطاب لسمير تركته بجوار السرير.

استيقظ سمير من النوم في اليوم التالي .. و قبل أن يتذكر أو يستوعب ما حدث ليلة أمس .. وجد الرسالة بجواره .. فتحها و بدأ يقرأ :

سمير .. أنا عند أهلي .. افتح الكمبيوتر .. هتلاقي ملف فيديوعلى سطح المكتب اسمه الليلة الأخيرة .. اتفرج عليه كويس .. بعد كده تطلقني و تبعت لي كل حقوقي و تتنازل عن حضانة الطفل .. داليا.