الآن:
وحيداً.. شارد الفكر.. يجلس في إحدى عربات القطار المكيف المتجه نحو مدينة ما بعيدة عن مدينته ناشداً الأمان. يحاول التغلب على شروده وتفكيره بمحاولة يائسة لقراءة أحد كتبه التي اصطحبها معه، لكن دون جدوى. لم تفلح تلك الحيلة هذه المرة. يشعر ببرودة تسري في جسده النحيل. ليس التكييف المسؤول عن هذه البرودة الداخلية التي يعانيها؛ فالجو في الخارج أغسطسيّ شديد الحرارة، بينما الجوّ في داخله شتوي قارص البرودة ملبد بالغيوم. يعرف هو السبب جيدًا: إنه الخوف.
قبل الآن بسبعة أيام:
“أعتقد أنني قابلتك قبل هذا”- هكذا بدأ الآخر كلامه معه. يلتفت إليه شادي محاولاً البحث عن هذا الوجه في ثنايا ذاكرته الضعيفة نوعاً ما في تذكر الأسماء، القوية في تذكر الملامح والوجوه، لكنه لم يجده هناك. كان الآخر رجلاً أربعينيًا ذا بناء جسدي قويّ، شبابي الملبس. لم ينجح شادي في إعطاء التقدير العمرى الصحيح له حيث يبدو مظهره الخارجي أصغر من عمره الحقيقي.
“لا أعتقد أنني قابلتك قبل هذا”- هكذا أجابه شادي.
يدور بينهما حوار قصير عادي في لقائهما الأول كغريبين، حيث جمعتهما الصدفة سويًا في هذا المكان. يبدي الآخر إعجابه الشديد بأخلاق شادي وبأدبه في الحوار. يحمرّ وجهه كالعادة عندما يمدحه شخص آخر. يشكره.
الآن:
يزداد إحساسه بالبرودة. يحاول أن يبتعد بتفكيره عن هذا اللقاء وهذا الشخص. يحاول أن يشغل نفسه بمشاهدة الناس المحيطين به في هذا القطار، لكنه لا يستطيع ذلك. فالمقاعد المرتفعة تحجب الرؤية واصطفاف المقاعد في اتجاه واحد بخلاف القطارات العادية التي تتقابل المقاعد في شكل مربعات تسمح بتلاقي الركاب وجها لوجه. كلّ هذا لم يعطِه أية فرصة للانشغال عن ذاته. حتى المقعد المجاور له يجلس فيه طفل صغير في الثامنة من عمره نائم منذ البداية. متدثر بغطاء يعتقد انه يخصّ أمه التي تجلس في الصفّ المقابل لهما.
قبل الآن بثلاثة أيام:
يعود إلى حجرته. يحمل كوبيْن من عصير البرتقال. الآخر هناك يجلس أمام الكمبيوتر يتصفح موقعًا للأفلام الإباحية. يقدم شادي له العصير. يجلس بجواره. تبدو على وجهه علامات الدهشة. يسأله الآخر إذا كانت هناك مشكلة في تصفح هذه المواقع. يجيبه شادي بأنه ليس هناك مشكلة ولكنه مندهش لأنّ الآخر متزوج وبالتأكيد لا يحتاج لهذا النوع من المتعة. يجيب الآخر بأنها مجرد تسلية.
الآن:
يزاد الإحساس بالبرودة داخله. تصطك أسنانه. يرتجف جسده. يخاف أن يشعر به الآخرون من حوله. يحمد الله أنّ من بجواره طفل ونائم. يفتح حقيبته ويخرج منها تيشرت. يرتديه سريعاً فوق ملابسه الأخرى متمنيًا أن يتخلص من هذا البرد الرهيب.
قبل الآن بثلاثة أيام:
يسأله الآخر عمّا إذا كان هناك أحد في البيت غيره. يندهش لسؤاله لكنه يجيب بأنّ أمه هناك ولكنها نائمة وأخوه في حجرته. يطلب منه الآخر كوبًا من الماء لأنه يشعر بالظمأ. ينهض ليحضر له الماء. عندما عاد وجده يمارس العادة السرية. يتجنب النظر له ويسأله عما يفعل. يجيبه بأنه يشعر بالإثارة الشديدة وبأنّ هذا شيء عادي يفعله كل الرجال. يسأله الآخر إن كان يفعل ذلك. يجيبه شادي “أحيانًا”. يجلس بجواره غير قادر على التفكير في ردّ الفعل المناسب الذي يجب أن يقوم به تجاه هذا الموقف. يسأله الآخر عن سبب هذا الارتباك الواضح عليه واحمرار وجهه الشديد ولماذا يتجنب النظر إليه. لا يعرف شادي بمَ يجيب. يصمت.
“أيه يا ابني إنتَ مش راجل و لا أيه؟” قال الآخر. يغضب شادي قائلاً:
“طبعا راجل”.
يكمل الآخر بهدوء: “طيب فك بنطلونك وتعامل”.
الآن:
يمرّ عامل البوفيه بعربته التي تحمل المشروبات الساخنة والباردة وزجاجات مياه وبعض الحلوى. يطلب منه شادي كوباً من الشاي. يمسكه بين يديه. يضغط عليه بقوة محاولاً امتصاص أكبر قدر من الحرارة التي قد تساعده على التخلص من تلك الرجفة التي بدأت تزداد حدّتها مع مرور الوقت.
قبل الآن بثلاثة أيام:
ينهض شادي قائلاً له إنه سيبقى بالخارج حتى يفرغ الآخر مما يفعله. يمسكه الآخر من ذراعه طالباً منه أن يمكث بجواره. يصر الآخر على طلبه معللاً ذلك بأنه سيخبره بشيء هام. يسأله شادي مندهشاً أي شيء هام؟ يجذبه الآخر من ذراعه ليجلس فيجلس بجواره منتظراً هذا الشيء الذي شعر شادي بأنه شيء خطير. قال الآخر بأنه يعرفه قبل لقائه الأول به ويعرف كل شيء عنه. ينقبض قلب شادي الذي أجاب مستفسراً ماذا يقصد بكلامه وعن أيّ شيء يتحدث.
أخبره الآخر بأنه يعرف أنه مثلي الجنس ويعرف قصته مع “عمرو”، صديقه السابق. تندفع آلاف الأفكار في عقل شادي للدرجة التي يتوقف العقل عندها عن التفكير. تحدث له تلك الحالة -التي لا يعرف وصفها العلميّ- عند ازدحام العقل بالأفكار وعند الخوف. وقتها لا يكون هناك أيّ ردّ فعل منه تجاه الموقف الذي يمر به. يستغل الآخر هذه الحالة، يقف الآخر يأخذه من يديه نحو السرير، يحتضنه. يحاول شادي دفعه.. لا يستطيع. يخبره الآخر وهو يلتهمه بأنه يحبه وبأنه لن يفضحه ولن يخبر أخاه الذي يعرفه جيدًا. ترفرف فوقه أشباح الخوف والرعب من الفضيحة. أصبح عقله مشلولاً وجسده مسلوبَ الإرادة وكأنه يقف هناك يشاهد مشهد اغتصاب جسد ليس بجسده. يفقد القدرة على المقاومة. يقتحمه. يبكي –دون صوت– من الألم ومن الخوف. ينتهي الآخر. يتركه. ينهض.
الآن:
ينهض من مقعده متجها إلى آخر العربة –تلك المنطقة التي تقع بين العربات والتي لا يوجد فيها تكييف– حيث زادت حدة الرعشة في جسده ويخشى على قلبه من التوقف. يتمنى أن تتنقل تلك الحرارة الشديدة في تلك المنطقة لجسده.
قبل الآن بيوميْن:
يرن جرس الهاتف المحمول. إنه الآخر. يجيب عليه طالباً منه أن يبتعد عنه و أن يتركه في حاله وأن ينساه للأبد. يضحك الآخر. تتغير لهجته. يسقط القناع الذي كان يرتديه. يوافق على طلبه في مقابل أن يعطيه مبلغ 500 جنيه مقابل ابتعاده عنه وصمته وعدم إخبار أهله بأنه مثليّ الجنس. يغلق شادي الهاتف من دون أن يعلق على كلامه. يبكي. يتصل الآخر مرة ثانية وثالثة. لا يجيب عليه. يرسل الآخر له برسالة على الهاتف يهدده بأنه سوف يأتي لبيته الآن إذا لم يردّ عليه. يجيب على اتصاله. يُسمعه كلمات سباب وشتائم لم يسمعها قبل هذا كعقاب له لأنه أغلق الهاتف في وجهه. لا يجيب. يهدده إذا لم يحضر له النقود خلال يومين فسوف يأتي إليه مصطحباً مجموعة من أصدقائه ليمارسوا الجنس معه وإذا امتنع فسوف يقومون بفضحه أمام أهله والجيران. يغلق الهاتف تماماً وينهار وتنهار الدنيا من حوله.
الآن:
ما زال واقفاً هناك في منطقة اللاتكيف، وحيداً يبكي. يستعيد جسده الدفء قليلاً. يلج إلى حمام القطار يغسل وجهه بالماء. يخرج يقف قليلاً. يتأكد بأنه أصبح في حال أفضل. يفتح باب العربة ليعود لمقعده مرة أخرى.
يرنّ هاتفه المحمول. الآخر يتصل به. ينسحب الدفء من جسده مرة واحدة. يرتجف. يغضب من ذاته الضعيفة. يحاول التماسك رغماً عن الارتعاشة التي تملكته. يقاوم. يحاول تنفيذ الخطة المتفق عليها والتي نصحه صديق عزيز عليه –يعمل محاميًا– بتنفيذها مع هذا الآخر المجرم بعدما حكى له تفاصيل المشكلة الواقع بها. يتماسك. يرد عليه. يسأله الآخر عما اذا كان جهز النقود كي يخبره بالمكان الذي سيقابله به ليأخذها منه. يخبره بأنه لم يجهز شيئًا. يحاول أن يرسم القوة في صوته. لا يعبأ بمن حوله. يبدأ الآخر بالسباب والتهديد. يحاول أن يبدو غير مهتم. يحاول أن يقلب الموازين ضده في الوقت الذي كاد قلبه أن يقفز للخارج من قوة ضرباته في صدره. يخبره بأنه حكى الموضوع لصديق له “عقيد بالشرطة” والذي طلب منه أن يأتي إليه ليحرر له بلاغًا بسرقة النقود التي كانت بدرج المكتب أثناء زيارته له بالبيت منذ ثلاثة أيام.. وسيكون أيّ اتهام له وقتها بالشذوذ ما هو إلا وسيلة للدفاع عن النفس أو للانتقام منه. مجرد سباب يقال بين كل خصمين.
قال كل هذا الكلام وهو يكاد يتجمد من البرد والرعشة. لم يهتم بمن حوله وما هي انطباعاتهم عنه او ماذا فهموا من كلامه مع الآخر. المهم هو ردّ فعل الآخر الذي أغلق الهاتف دون تعليق من جانبه على ما قاله شادي.
يبكي بعد الانتهاء من المكالمة. يقوم مرة أخرى سريعاً نحو منطقة اللاتكييف باحثاً عن الدفء.
وحيداً.. شارد الفكر.. يجلس في إحدى عربات القطار المكيف المتجه نحو مدينة ما بعيدة عن مدينته ناشداً الأمان. يحاول التغلب على شروده وتفكيره بمحاولة يائسة لقراءة أحد كتبه التي اصطحبها معه، لكن دون جدوى. لم تفلح تلك الحيلة هذه المرة. يشعر ببرودة تسري في جسده النحيل. ليس التكييف المسؤول عن هذه البرودة الداخلية التي يعانيها؛ فالجو في الخارج أغسطسيّ شديد الحرارة، بينما الجوّ في داخله شتوي قارص البرودة ملبد بالغيوم. يعرف هو السبب جيدًا: إنه الخوف.
قبل الآن بسبعة أيام:
“أعتقد أنني قابلتك قبل هذا”- هكذا بدأ الآخر كلامه معه. يلتفت إليه شادي محاولاً البحث عن هذا الوجه في ثنايا ذاكرته الضعيفة نوعاً ما في تذكر الأسماء، القوية في تذكر الملامح والوجوه، لكنه لم يجده هناك. كان الآخر رجلاً أربعينيًا ذا بناء جسدي قويّ، شبابي الملبس. لم ينجح شادي في إعطاء التقدير العمرى الصحيح له حيث يبدو مظهره الخارجي أصغر من عمره الحقيقي.
“لا أعتقد أنني قابلتك قبل هذا”- هكذا أجابه شادي.
يدور بينهما حوار قصير عادي في لقائهما الأول كغريبين، حيث جمعتهما الصدفة سويًا في هذا المكان. يبدي الآخر إعجابه الشديد بأخلاق شادي وبأدبه في الحوار. يحمرّ وجهه كالعادة عندما يمدحه شخص آخر. يشكره.
الآن:
يزداد إحساسه بالبرودة. يحاول أن يبتعد بتفكيره عن هذا اللقاء وهذا الشخص. يحاول أن يشغل نفسه بمشاهدة الناس المحيطين به في هذا القطار، لكنه لا يستطيع ذلك. فالمقاعد المرتفعة تحجب الرؤية واصطفاف المقاعد في اتجاه واحد بخلاف القطارات العادية التي تتقابل المقاعد في شكل مربعات تسمح بتلاقي الركاب وجها لوجه. كلّ هذا لم يعطِه أية فرصة للانشغال عن ذاته. حتى المقعد المجاور له يجلس فيه طفل صغير في الثامنة من عمره نائم منذ البداية. متدثر بغطاء يعتقد انه يخصّ أمه التي تجلس في الصفّ المقابل لهما.
قبل الآن بثلاثة أيام:
يعود إلى حجرته. يحمل كوبيْن من عصير البرتقال. الآخر هناك يجلس أمام الكمبيوتر يتصفح موقعًا للأفلام الإباحية. يقدم شادي له العصير. يجلس بجواره. تبدو على وجهه علامات الدهشة. يسأله الآخر إذا كانت هناك مشكلة في تصفح هذه المواقع. يجيبه شادي بأنه ليس هناك مشكلة ولكنه مندهش لأنّ الآخر متزوج وبالتأكيد لا يحتاج لهذا النوع من المتعة. يجيب الآخر بأنها مجرد تسلية.
الآن:
يزاد الإحساس بالبرودة داخله. تصطك أسنانه. يرتجف جسده. يخاف أن يشعر به الآخرون من حوله. يحمد الله أنّ من بجواره طفل ونائم. يفتح حقيبته ويخرج منها تيشرت. يرتديه سريعاً فوق ملابسه الأخرى متمنيًا أن يتخلص من هذا البرد الرهيب.
قبل الآن بثلاثة أيام:
يسأله الآخر عمّا إذا كان هناك أحد في البيت غيره. يندهش لسؤاله لكنه يجيب بأنّ أمه هناك ولكنها نائمة وأخوه في حجرته. يطلب منه الآخر كوبًا من الماء لأنه يشعر بالظمأ. ينهض ليحضر له الماء. عندما عاد وجده يمارس العادة السرية. يتجنب النظر له ويسأله عما يفعل. يجيبه بأنه يشعر بالإثارة الشديدة وبأنّ هذا شيء عادي يفعله كل الرجال. يسأله الآخر إن كان يفعل ذلك. يجيبه شادي “أحيانًا”. يجلس بجواره غير قادر على التفكير في ردّ الفعل المناسب الذي يجب أن يقوم به تجاه هذا الموقف. يسأله الآخر عن سبب هذا الارتباك الواضح عليه واحمرار وجهه الشديد ولماذا يتجنب النظر إليه. لا يعرف شادي بمَ يجيب. يصمت.
“أيه يا ابني إنتَ مش راجل و لا أيه؟” قال الآخر. يغضب شادي قائلاً:
“طبعا راجل”.
يكمل الآخر بهدوء: “طيب فك بنطلونك وتعامل”.
الآن:
يمرّ عامل البوفيه بعربته التي تحمل المشروبات الساخنة والباردة وزجاجات مياه وبعض الحلوى. يطلب منه شادي كوباً من الشاي. يمسكه بين يديه. يضغط عليه بقوة محاولاً امتصاص أكبر قدر من الحرارة التي قد تساعده على التخلص من تلك الرجفة التي بدأت تزداد حدّتها مع مرور الوقت.
قبل الآن بثلاثة أيام:
ينهض شادي قائلاً له إنه سيبقى بالخارج حتى يفرغ الآخر مما يفعله. يمسكه الآخر من ذراعه طالباً منه أن يمكث بجواره. يصر الآخر على طلبه معللاً ذلك بأنه سيخبره بشيء هام. يسأله شادي مندهشاً أي شيء هام؟ يجذبه الآخر من ذراعه ليجلس فيجلس بجواره منتظراً هذا الشيء الذي شعر شادي بأنه شيء خطير. قال الآخر بأنه يعرفه قبل لقائه الأول به ويعرف كل شيء عنه. ينقبض قلب شادي الذي أجاب مستفسراً ماذا يقصد بكلامه وعن أيّ شيء يتحدث.
أخبره الآخر بأنه يعرف أنه مثلي الجنس ويعرف قصته مع “عمرو”، صديقه السابق. تندفع آلاف الأفكار في عقل شادي للدرجة التي يتوقف العقل عندها عن التفكير. تحدث له تلك الحالة -التي لا يعرف وصفها العلميّ- عند ازدحام العقل بالأفكار وعند الخوف. وقتها لا يكون هناك أيّ ردّ فعل منه تجاه الموقف الذي يمر به. يستغل الآخر هذه الحالة، يقف الآخر يأخذه من يديه نحو السرير، يحتضنه. يحاول شادي دفعه.. لا يستطيع. يخبره الآخر وهو يلتهمه بأنه يحبه وبأنه لن يفضحه ولن يخبر أخاه الذي يعرفه جيدًا. ترفرف فوقه أشباح الخوف والرعب من الفضيحة. أصبح عقله مشلولاً وجسده مسلوبَ الإرادة وكأنه يقف هناك يشاهد مشهد اغتصاب جسد ليس بجسده. يفقد القدرة على المقاومة. يقتحمه. يبكي –دون صوت– من الألم ومن الخوف. ينتهي الآخر. يتركه. ينهض.
الآن:
ينهض من مقعده متجها إلى آخر العربة –تلك المنطقة التي تقع بين العربات والتي لا يوجد فيها تكييف– حيث زادت حدة الرعشة في جسده ويخشى على قلبه من التوقف. يتمنى أن تتنقل تلك الحرارة الشديدة في تلك المنطقة لجسده.
قبل الآن بيوميْن:
يرن جرس الهاتف المحمول. إنه الآخر. يجيب عليه طالباً منه أن يبتعد عنه و أن يتركه في حاله وأن ينساه للأبد. يضحك الآخر. تتغير لهجته. يسقط القناع الذي كان يرتديه. يوافق على طلبه في مقابل أن يعطيه مبلغ 500 جنيه مقابل ابتعاده عنه وصمته وعدم إخبار أهله بأنه مثليّ الجنس. يغلق شادي الهاتف من دون أن يعلق على كلامه. يبكي. يتصل الآخر مرة ثانية وثالثة. لا يجيب عليه. يرسل الآخر له برسالة على الهاتف يهدده بأنه سوف يأتي لبيته الآن إذا لم يردّ عليه. يجيب على اتصاله. يُسمعه كلمات سباب وشتائم لم يسمعها قبل هذا كعقاب له لأنه أغلق الهاتف في وجهه. لا يجيب. يهدده إذا لم يحضر له النقود خلال يومين فسوف يأتي إليه مصطحباً مجموعة من أصدقائه ليمارسوا الجنس معه وإذا امتنع فسوف يقومون بفضحه أمام أهله والجيران. يغلق الهاتف تماماً وينهار وتنهار الدنيا من حوله.
الآن:
ما زال واقفاً هناك في منطقة اللاتكيف، وحيداً يبكي. يستعيد جسده الدفء قليلاً. يلج إلى حمام القطار يغسل وجهه بالماء. يخرج يقف قليلاً. يتأكد بأنه أصبح في حال أفضل. يفتح باب العربة ليعود لمقعده مرة أخرى.
يرنّ هاتفه المحمول. الآخر يتصل به. ينسحب الدفء من جسده مرة واحدة. يرتجف. يغضب من ذاته الضعيفة. يحاول التماسك رغماً عن الارتعاشة التي تملكته. يقاوم. يحاول تنفيذ الخطة المتفق عليها والتي نصحه صديق عزيز عليه –يعمل محاميًا– بتنفيذها مع هذا الآخر المجرم بعدما حكى له تفاصيل المشكلة الواقع بها. يتماسك. يرد عليه. يسأله الآخر عما اذا كان جهز النقود كي يخبره بالمكان الذي سيقابله به ليأخذها منه. يخبره بأنه لم يجهز شيئًا. يحاول أن يرسم القوة في صوته. لا يعبأ بمن حوله. يبدأ الآخر بالسباب والتهديد. يحاول أن يبدو غير مهتم. يحاول أن يقلب الموازين ضده في الوقت الذي كاد قلبه أن يقفز للخارج من قوة ضرباته في صدره. يخبره بأنه حكى الموضوع لصديق له “عقيد بالشرطة” والذي طلب منه أن يأتي إليه ليحرر له بلاغًا بسرقة النقود التي كانت بدرج المكتب أثناء زيارته له بالبيت منذ ثلاثة أيام.. وسيكون أيّ اتهام له وقتها بالشذوذ ما هو إلا وسيلة للدفاع عن النفس أو للانتقام منه. مجرد سباب يقال بين كل خصمين.
قال كل هذا الكلام وهو يكاد يتجمد من البرد والرعشة. لم يهتم بمن حوله وما هي انطباعاتهم عنه او ماذا فهموا من كلامه مع الآخر. المهم هو ردّ فعل الآخر الذي أغلق الهاتف دون تعليق من جانبه على ما قاله شادي.
يبكي بعد الانتهاء من المكالمة. يقوم مرة أخرى سريعاً نحو منطقة اللاتكييف باحثاً عن الدفء.
No comments:
Post a Comment
اشكرك على إهتمامك وتعليقك .. والإختلاف في وجهات النظر شئ مقبولة ما دام بشكل محترم ومتحضر .. واعلم أن تعليقك يعبر عنك وعن شخصيتك .. فكل إناء بما فيه ينضح .