26 May 2008

مش عشانك ، ده عشاني

اصبح كريم جزء من هذا العالم الذي كان يخاف منه و يتجنبه طوال الوقت خوفا من الناس و يشعر الآن بالقوة امام الأخرين و يشعر بسعادة كلما خاض تجربة احتكاك مع العالم الجديد عليه.. بالطبع مواقف صغيرة قد لا ينتبه لها الأخرين و لا يعيرها أي شخص اهتمام و لكنه فقط الوحيد القادر على رؤيتها و احساسه بالفارق الضخم ما بين ما كان عليه سابقاً و ما يمر به الآن .. لم يعد يهتم برأي الناس به و لا كيف يراه الناس .. المهم الأن ماذا يريد هو . و سعادته باحساسه بالتغيير .

و لكن يبقى حبه لتامر الذي لم يعد يقوى على اخفاءه .. لم يعد قادر على تجنب هذه المشاعر و لا هذا الحزن الذي يسببه له هذا الحب . لم يعقد قادر على تجاهل هذا الشوق داخله و الحنين إلى ان يكونا سوياً . و لكن كيف يعبر عن هذا الحنين او هذا الشوف و لمن ؟ لم يعد تامر يحبه . صراع داخلي بين شوقه لتامر و بين كرامته . لا يستطيع ان يعبر عن شوق و حنين لشخص لم يعد يحبه .. اذا فالحزن هنا مضاعف . ليست المشكلة شوق و حنين فقط و لكن أيضا احساس بالضعف و احساس بالمهانة من استجداء الحب .

حاول الخروج و الجلوس في الكافتيريا و لكن كلما شرد عقله قليلاً وجد عيناه تنزف دمعاً .. هرب من الكافتريا إلى الشارع .. كم يكره ضعفه هذا .. قال قبل هذا أن الحب ليس ضعف و لكنه الأن ضعيف . ماذا يفعل تجاه هذه المشاعر التي تجتاح كل ذرة في كيانه .

اتصل بتامر و بعد الكلام المعتاد و السؤال عن الأحوال قاله له كريم :

- ممكن أطلب منك طلب ؟
- ايوة
- يا ريت لو قابلت حد كويس و حبيته و بدأت معاه علاقه اوعدني انك تقولي .
- ماشي اوعدك .
سكت كريم و الألم يعتصر قلبه و لكنه عاد يكمل حواره :
- انا بحبك
- ماشي

مع نهاية المكالمة كانت دموع كريم تسقط من عينيه . . و بدأ يؤنب نفسه ماذا كان ينتظر ان يسمع منه . هل كان يتوقع رد مختلف ؟ هل كان يتوقع ان يقول له انه يحبه ؟ فهو موقفه واضح و قال انه لم يعد يحبه مع اعطاء بعض الاسباب الواهية غير المقنعة .. لما كل هذا العذاب ؟ هل هو يتعذب او حتى يفكر بك او يهتم لمشاعرك ؟ هو فقط يهتم بنفسه .

قرر كريم ان يبتعد عن تامر .. لن يقبل ان يصل لتلك الحالة التي وصل لها د/ ونيس بطل رواية ( العلم ) بقلم فتحي امبابي و تلك الحالة التي وصل لها ونيس بعدما تركته حبيبته سالمين و تزوجت من رجل أخر .. لابد ان يمحوه من حياته و لو مؤقتاً حتى ينسي طعم شفتيه و مذاق لعابه و لمسه يديه و دفء جسده كل شىء كل شىء لا بد أن يُمحى من ذاكرته .. لن يستطيع التخلص من تلك المشاعر و هو يحيم حوله .. لابد ان يبتعد عنه و ألا يفكر به .. فهو الآن مثل المدمن لابد ان يُوقف استخدام تلك المادة التي ادمنها حتى يستطيع التخلص من تأثيرها عليه .

مر يومان كان يتألم و يبكي تقريباً طوال الوقت .. حتى جاء اتصال من اخته (نونا ) صاحبه أرق قلب .. حكي لها عما يعانيه من ألم كان صوته مخنوق و بالكاد كانت تخرج الكلماته منه غير واضحة . و الدموع تصاحب كلماته حتى انتهي من كلامه .

تحدثت نونا إليه طويلاً و اعطته الكثير من النصائح و حاولت ان تخرجه من تلك الحالة و انه لن يستطيع ان ينسي تلك المشاعر في ساعات او ايام و لكن عليه ان يشغل تفكيره بشىء مختلف و ان الحياة لن تنتهي بخروج تامر من حياته و ان تامر ما زال صغيرا و لا يعرفه قيمته .. و انه لا يستحق قطعة الشيكولاتة البيضاء – تقصد كريم – فهي دائما تطلق عليه هذا التشبيه و نصحت كريم ان يذهب للدكتور أوسم الطبيب النفسي حتى يخرج من حالة الاكتئاب التي يمر بها .

شعر كريم بالراحة بعد الحديث مع نونا .. كم تمني لو كانت اقرب قليلا ، لو كانت تسكن نفس المدينة و ان يتقابل معها كل يوم . لن يجد احد مثلها كصديقة و كأخت له .. كم استفاد منها و من شخصيتها الجميلة .. هى من شجعت كريم على القراءة و غيرت الكثير من حياته .. يشعر حقاً انها ليست من البشر .. من يعلم ربما تكون أحد ملائكة الله في الأرض .

بعد مرور 4 ايام من عدم اتصال كريم بتامر .. رن جرس الموبيل بتلك النغمة الخاصة كاد أن يبكي كريم لولا انه كان يركب ميكروباص وقتها .. لم يعرف كريم ما هو التصرف الصحيح . هل يجيب عليه أم لا يجيب ؟ و مع تكرار الأتصال من تامر . أجاب كريم قائلاً :

- ألو ازيك ؟
- الحمد لله و انت ؟
- الحمد لله كويس
- أيه انت مخاصمني ؟
- لاء مش كده .. بس عاوز أبعد شوية
- اممممم عموما براحتك
- لاء هو مش عشانك ، ده عشاني .. أنا فعلاً تعبان
- ماشي .. سلام
- سلام

لم يستطيع كريم أن يحدد مشاعره بعد نهاية تلك المكالمة . لكنه طوال الطريق كان ينظر خارج العربة .. امتلئت عيناه بدموع حاول جاهدا ان لا تسقط ، لا يهتم ان يراها الناس و لكنه لا يريد ان يبكي الآن .