17 March 2008

العصفور الأحمر .. قصة قصيرة


كان هناك عصفور صغير جميل ذو ريشات حمراء ، عاش العصفور الأحمر وسط أسرته و اخوته و مرت الأيام و السنين و كبر العصفور الصغير ، و بدأ العصفور يزقزق و لكن ما هذا الذي يصدر منه ، لماذا زقزقته مختلفة عن باقي العصافير من بني جنسه ، شعر العصفور الأحمر أنه زقزقته مختلفة عن باقي أقرانه العصافير ، فخاف أن يكتشف أهله و باقي الناس الذين يعيشون حوله تلك الزقزقات التي تصدر منه و التي تختلف عنهم ، كان حزيناً لذلك و بدأ يبتعد عن الأخرين خائفاً أن تصدر منه تلك الزقزقات المختلفة أمامهم فينكشف أمره . و لكنه حاول كثيراً أن يعدل من تلك الزقزقات عندما كان يخلو لنفسه و حاول مرات كثيرة حتي يأس و فقد الأمل في التغيير .

و في يوم من الأيام و حينما كان يحلق فوق إحدى الشجيرات البعيدة عن بيته ، سمع صوت زقزقة تشبه زقزقته ، فراح يبحث عن مصدر الصوت حتى وجد هناك على فرع شجرة مرتفع عصفور حزين ذو ريشات صفراء . اقترب منه و اخذ يتحدث معه ، اكتشف أنه أيضا يعاني مثله و يعاني من زقزقته المختلفة عن باقي العصافير .

أخد العصفورين يزقزقا تلك الزقزقات التي تختلف عن باقي العصافير ، فرح كلاهما لمقابلة الأخر ، و شعر بصداقة و حنين مشترك يجمعهم ، و بدأ الأثنين يشعران بالسعادة للمرة الأولي في حياتهم .. و اتفقا الاثنان على تكرار اللقاء ، و تقابلا مرة ثانية و ثالثة و بدأ يشعران انهما خلقا لبعض . و بدأت لقاءاتهم تصير يومية فوق تلك الشجرة .. حينما يكونا سوياً لا يشعران لا بالوقت و لا بأي شيء إلا بالسعادة التي تملائهما و يشعران بالحزن عند الفراق .

حتي جاء يوم .. ذهب العصفور الأصفر لتلك الشجرة التى اعتادوا التلاقي فوقها و الغناء و الزقزقة بصوتهما المختلف . و انتظر وصول العصفور الأحمر لكنه لم يأتي حزن العصفور الأصفر كثيراً و لكنه قال ربما هناك شىء منع صديقه اليوم من الحضور ، و لكنه سيأتي غداً بالتأكيد .. و جاء اليوم التاني و انتظر العصفور الأصفر صديقه و لكن العصفور الأحمر لم يأتي ثانياً ، حزن العصفور الأصفر و ازادة قلقه على صديقه .

و جاء اليوم الثالث و ذهب العصفور الأصفر لمكان التلاقي و اذا برسالة معلقة فوق ذلك الفرع الخاص بهم مكتوب بها ان العصفور الأصفر قد مات حيث قامت العصافير الأخرى بقتله لانه مختلف عنهم .. شعر العصفور الأصفر بأن قلبه هو أيضا ذبح و وجد دموعه تنهمر بشدة و أنه غير قادر على الطيران ، لم يبكي العصفور الأصفر هكذا من قبل .. اليوم هو أتعس أيام حياته .. ووجد كل ذكرياته مع العصفور الأحمر تمر امام عينيه ، تذكر كلماته له و صوته الجميل و زقزقته التي لم تعجب معشر العصافير .. تذكر كل المواقف و الأماكن التي جمعتهما سوياً .. كيف يمكن أن يحدث هذا ؟؟ ما الجريمة التى اقترفها العصفور الأحمر ، أليس هناك رحمة في قلوب تلك العصافير ؟ ماذا تركوا للوحوش المفترسة ؟ كيف لهم أن يقتلوه ؟

شعر العصفور الأصفر بالعجز التام ، ماذا يفعل ؟ لابد أن يفعل شىء ، لابد أن يدافع عن صديقه و عن حبه .. كيف يمكن أن يعيش من بعده ؟ كيف يمكن أن ينام في عشه و حبيبه الأن يرقد في التراب .. تنهمر دموعه أكثر و أكثر .. لا لن يستسلم .. سيذهب إليه .. سيذهب إليه مهما كان .. من حقه أن يعرف مكان قبره .. من حقه ان يودعه على الأقل .. من حقه أن يبكيه .

لذلك قرر أن يطير و يتحرك بحثاً عن صديقه و حبه .. حاول أن يتذكر كل الكلمات التي قالها له العصفور الأحمر عن حياته و كل المواقف و الذكريات التي قصها عليه و تلك الأماكن التي كان يطير إليها و يقضي بها وقته و تلك الشجرة التي يعيش بها .. طار العصفور الأصفر للتأكد من خبر موت صديقه العصفور الأحمر و بدأ يحط على كل الأماكن التي كان يذهب إليها صديقه .

طار و قلبه يبكي و لكنه دارى دموعه عن الناس حتي يستطيع ان يخرج بمعلومات عن صديقه و بعد عناء و زيارة كل الأشجار التي كان يذهب اليها العصفور الأحمر لم يقابله و لم يعرف عنه أي اخبار مفيدة ، و لكن كل ما تأكد منه ، ان العصفور الأحمر لم يمت و أنه مازال على قيد الحياة و لكنه مسجون ، فقد سجنه أهله في قفص في شجرة بعيدة حتى لا يراه العصافير الاخرين أو يسمعوا زقزقته المختلفة عنهم و حتى لا يقابل العصفور الأصفر مرة أخرى .. عاد العصفور الأصفر حزيناً و لكنه على الأقل اطمئن أن خبر الموت غير صحيح و عاش على أمل انه في يوم من الأيام سيستطيع أن يراه مرة ثانية .. و قرر أن ينتظره .. سينتظره و لو طال الأنتظار .. عاد العصفور الأصفر يزقزق فوق تلك الشجرة التي تجمع ذكرياته مع العصفور الأحمر وحيداً .