18 November 2008

مبروك يا فندم .. قصة قصيرة


كعادتها كل يوم تخرج أم مصطفى لتجلس على باب البيت حيث تتجمع حولها باقي الجارات ، يتبادلون الحديث اليومي حول كل ما يمت بالجيران من أخبار و أسرار و إشاعات و كل ما يتعلق بما دار داخل بيوتهم و ما حدث بينهم و بين أزواجهم و أولادهم و ما شاهدوه في التلفاز و كل ما حدث لهم في تلك الفترات التي لم يكونوا سوياً .. على الرغم من معرفتهم الجيدة أن تلك الأسرار سوف تستخدهم ضدهم في أقرب خناقة تدور بينهم .. و هذا يحدث كثيراً و لأتفه الأسباب و لكنهم سريعاً ما يعودوا لما كانوا عليه قبل الخناقة لمجرد تدخل طرف ثالث للصلح بين الطرفين المتشاجرين .

كان حديث اليوم يدور حول ذلك الجار الذي يدخل أنفه في كل الأمور و يتصيد تلك الإجتماعات النسائية و اللقاءات اليومية بينهم لينضم إليهم بعد عودته من المسجد بعد الانتهاء من الصلاة .. يقف و يحيهم و يبدأ في المشاركة معهم بادئاً بسؤال عادي عن أحوال أحد أبنائهن أو السؤال عن زوج إحداهن ثم يبدأ في الاسترسال في طرح بعض القضايا و الأسرار التي قد تخفى عليهم و كثيراً يحاول الإيقاع بينهم و لكنهم لا يرحبون به ربما لإختلاف الجنس و عدم ميلهم ليكون بينهم رجل يشاركهم هواياتهم او لشهرة هذا الرجل بأنه نسوانجي قديم أيام الشقاوة و الشباب .. و فجأة يرن جرس الهاتف داخل بيت أم مصطفى و التي تتكاسل في القيام و لكن باقي النسوة يحثوها على القيام ربما يكون أبو مصطفي الذي ما زال في العمل .. تسرع أم مصطفي حاملة كل تلك الهضاب و التلال الدهنية التي يتمتع به جسدها الغير محدد المعالم و ترفع سماعة الهاتف قائلة : ألو ؟

يرد عليها صوت شاب قائلاً : مساء الخير يا فندم . معاكي شركة المحظوظين الكبرى . ممكن اتعرف بحضرتك ؟
- ليه يا أخويا تتعرف بيا ليه ؟
- علشان يا فندم حضرتك كسبتي معانا رحلة لمدة أسبوع لمدينة الغردقة ؟
- بس يا أخويا أنا لا بعت أكياس الشمعدان و لا جمعت أكياس إريال و لا اتصلت بالبنات المايصة بتوع قنوات الدش و قلتلهم ان حل الفزورة يبقى البطيخة و لا أيتها حاجة خالص يبقى كسبت إزاي بقى؟
- يا فندم حضرتك كسبتي بالإختيار العشوائي .
- لاء يا خويا عشوائي أية .. لاء أنا ساكنة ف حتة زي الفل و بيتنا دورين و جاراتي كلهم ستات زي العسل .. لاء يا خويا أنا مش ساكنة في العشوائي ده انت غلطان في العنوان و لا أية ؟
- يا فندم أنا قصدي اننا اختارنا رقمك بالحظ علشان كده كسبتي رحلة لمدينة الغردقة.

تكاد تطير أم مصطفى من الفرحة و السعادة قائلة: يعني يا خويا الكلام ده صدق ؟
- ايوة يا هانم ..

أطلقت بعدها أم مصطفي زغروتة عالية و نادت بأعلي صوتها على جارتها اللاتي دخلن يجررجن احملاهم الجسدية مسرعات متشوقات لمعرفة سر تلك الزغروتة التي أطلقتها أم مصطفي بدون إنذار .. و بين الدوشة الناتجة عن استفساراتهن حول معرفة ماذا حدث لأم مصطفى .. سارعت أم مصطفي بإسكاتهن لمواصلة الحوار الدائر بينها و بين الشاب الذي قال لها: ممكن حضرتك تجيبي ورقة و قلم علشان أديكي رقم تليفون علشان حضرتك تتصلي بيه و تديلهم بياناتك و تاخدي الجايزة .

سارعت أم مصطفي طالبة من الجارات ورقة و قلم و اقتربت منها أم على الجارة المثقفة بين الجارات و الحاصلة على الإبتدائية .. بدأت أم مصطفى في تكرار تلك الأرقام التي يمليها عليها الشاب و أم على تكتب خلفها .. و أخيراً قال الشاب لها: لازم تتصلي النهاردة يا فندم و تدلهم بياناتك علشان الجايزة مش تروح عليكي.

- لاء يا خويا هتصل و ربنا يخليكوا لينا و يخلي لنا الريس و مراته و الحكومة و يديهم الصحة يا رب و يبعد عنهم العيال بتوع ابريل دول يا قادر يا كريم .

أنهت أم مصطفي المكالمة واضعة سماعة التليفون .. تنظر لصديقاتها المتلهفات لمعرفة الموضوع .. يملأها الفخر و العنتظة و قد انتفخت كبرياءاً و بدأت تقص عليهم ما دار بينها و بين هذا الشاب و كيف كان يقول لها يا فندم و انه اختارها دون كل الجارات و حكت لهن عن الجائزة و الاسبوع الذي ستمضيه على شواطىء الغردقة .. استمرت أم مصطفي تحكي و تضيف كلمات و جمل من خيالها على هذا الحوار الذي دار بينها و بين الشاب و كان هذا الموضوع هو احتفالية لقائهم هذا اليوم .

يعود أبو مصطفي مُحملاً بهموم و قرف و معاناة يوم عمل شاق ، يقابله أحد الجيران على بداية الشارع الذي يسكن به .. يوقفه هذا الجار ليحيه و يهنئة: مبروك يا أبو مصطفى.

يجيبه أبو مصطفي مندهشاً و علامة الاستفهام تملأ وجهه: الله يبارك فيك ، على أية بقى ؟
- على أسبوع الغردقة
- غردقة أيه ؟
- يا عم الناس كلها عرفت ، متنسناش بقى و انت هناك .. و ابقى افتكرنا بحته حلاوة مشبك و انت راجع بالسلامة .

تركه الجار الذي أكمل سيره و امتلاء عقل ابو مصطفي بعلامات الاستفهام الكثيرة .. و ما أن اقترب من بيته حتى بدأت الجارات في النهوض و الانصراف بعدما هنئوا أبو مصطفي الذي لم يعرف ما معني أسبوع الغردقة .. و لكن تلك الفرحة التي كانت تملاء وجه زوجته ساعدت على تأكيد الخبر لديه .. و ما ان دخل الرجل باب بيته و اغلقه خلفه حتى بدأت أم مصطفي في سرد ما حدث اليوم و احضرت له تلك الورقة التي كُتب بها رقم الهاتف الذي طُلب منها ان تتصل به لإعطائهم بياناتهم الشخصية .. امسك أبو مصطفي الورقة قائلاً :

- إنتي متأكدة ان الكلام ده صدق يعني ؟ مش نصب ؟
- أيوة يا خويا أمال ايه.
- بس ده رقم في مصر و احنا معندناش مباشر.
- أيوة يا اخويا أنا عارفة .. علشان كده أنا اشتريت الكارت أبو عشرة جنية ده علشان تقدر تكلمهم.

بدأ أبو مصطفي في الإتصال و ادخل أرقام الكارت لتفعيل خاصية المباشر ثم الإتصال بالرقم الخاص بالجائزة المنتظرة .. بدأ الهاتف يرن في الطرف الأخر و فتح الخط و أجابت عليه صوت نسائي مسجل و التي طلبت منه الانتظار .. و انتظر أبو مصطفي دون شىء فأغلق الهاتف و عاوز الإتصال مرة أخري و حدث نفس الشىء مرة ثانية .. فقال لزوجته :

- شكلهم نصابين
- لاء يا خويا ازاي .. يمكن الشبكة واقعة ؟
- يا ولية انا بكلمهم على الأرضي شبكة اية اللي واقعة.
- طيب يا خويا هات أنا أجرب يمكن يكون وشي حلو.

و بدأت أم مصطفي تحاول و تحاول و يتكرر ما حدث مع أبو مصطفي إلي أن جائهم صوت الرسالة المسجلة يعلن عن انتهاء رصيدهم .. فانفعل أبو مصطفى قائلاً :

- يعني العشرة جنية راحت ع الأرض .. لا روحنا الغردقة و لا حتى جمصة.
- والله يا خويا انا حكيتلك اللي حصل و الواد كان عمال يقولي يا فندم و يا هانم و بيكلمني كويس قوي.
- يا فندم ؟!! طيب يلا قومي فزي حضري لي الغدا.

قامت أم مصطفى يملأها الحسرة و الإحساس بالخيبة مخلفة وراءها تلك الخطط و الأحلام التي رسمتها في مخيلتها و قررت القيام بها على شواطىء الغردقة .