11 July 2008

بئر مسعود و الاسكندرية

على الرغم من انني أخشي السفر عندما اكون مصاب بالاكتئاب و لكنني سمعت نصيحة الصديق ميدو بالخروج و تغيير الجو العام . و بالفعل فقد قررت اليوم أن أذهب لزيارة ميدو بالاسكندرية .

اتصلت بميدو لترتيب اللقاء و بالفعل خرجت بعد الغداء إلي محطة القطار حجزت في القطار القادم و انتظرت على الرصيف تلفحني حرارة الجو الخانقة .. اخرجت روايتي الجديدة لأقرأ بها تجذبني تلك الشخصية الصعيدية و ما تمر بها من مواقف الحياة و لكن قطع هذا رنين الهاتف المحمول .. نظرت إلي الهاتف وجدته رقم و ليس اسماً فضغط على مفتاح الاجابة و قلت : ألو . اجاب الطرف الثاني : ألو .

عرفت الصوت انه ( تامر ) نسيت اني بالأمس بعد صراع قررت أن أمحو كل ارقامه من على هاتفي . دوماً اضعف و اتصل به . صحيح ان مكالمتي تلك تكون قصيرة جدا . كلمات قليلة منى ( ألو ) ( انت كويس ؟) ( مش عاوز حاجة ؟ ) و كذلك اجابات أقصر منه ( ألو ) ( الحمد لله ) ( لا شكرا ) و تنتهي المكالمات على هذه الشاكلة . بالطبع هناك الكثير من الكلمات التي لا تستطيع الخروج و التي تنتقم مني بعد نهاية المكالمة و تعاقبني عن عدم اخراجها في الحوار . لهذا قررت ان انهي الموضوع و حتى لا يكون هناك مجال للضعف فقد محوت كل الأرقام الخاصة به .. علما بأنني متأكد اني سأندم على فعلتي تلك و انني سأعاقب نفسي لاني قمت بذلك . و لكن في الحالتين فأنا أعاني فما المانع من تجربة نوع جديد من المعاناة و في نفس الوقت احفظ كرامتي و ماء وجهي .

نعود مرة ثانية للحوار و بعد ألو قال تامر :

- انت فتحت ليه ؟
- أنا أسف مش أخدت بالي ( لم استطع قول أنني محوت أرقامه ) فترة صمت ثم قلت له :
- انت كويس ؟
- أيوة الحمد لله

انتظرت أن تنتهي المكالمة فإذا به يكمل :

- أه انا كنت عاوز أقولك اني روحت لدكتور ..
- ( قاطعته ) أيوة عرفت
- و الحمد لله دلوقتي مشاكلي مع أهلى خلاص اتحلت
- الحمد لله

فترة صمت ثم النهايات التقليدية للحوار و انتهت المكالمة . اغلقت الهاتف و كذلك الكتاب . و جلست حائراً تارة اجد ابتسامة فوق وجهي و تارة يملئه العبوث .. دار في عقلي ما اهمية أن يخبرني بانتهاء مشاكلة مع اهله . هل تلك المشاكل كانت سبب في ابتعاده عني ؟ بالطبع لاء .. جلست شارداً أفكر و اتمني و أحلم و اتخيل ... إلخ حتى جاءت صفارة القطار نهضت ابحث عن العربة المدونة فوق تذكرتي و دخلت ابحث عن رقم المقعد و جلست .

كان بجواري شاب ذو ملامح جميلة . كان يقرأ احدي الجرائد الرياضية . اخرجت روايتي و جلست انا الأخر اقرأ بها . مرت الأحداث في الرواية و كذلك مر الوقت في الواقع . اعتقد ان الشاب الجالس بجواري انهى القراءة و بدأ الانشغال في مشاهدة ما خارج القطار و فجأة وجدت الشاب يبحث عن شىء ما بجواره و تحت المقعد . فسألته :

- انت ضايع منك حاجة ؟
- الجريدة

وجدها أسفل مقعده و لكن أمام الركاب الجالسين خلفنا . التقطها . و ابتسم لي و اجبت الابتسامة بابتسامة و عرض علي أن اقرأ الجريدة . فاجبته شاكراً حيث انني بالفعل اقرأ روايتي . اظهر الأهتمام بالرواية فاعطيته نبذة عن احداث الرواية . و انني احب قراءة الروايات و لا أحب قراءة الجرائد .

سألته ان كان من مستخدمي النت . أجاب انه قليلاً ما يستخدمه و أخر مرة كان يبحث عن تسجيل حلقة العاشرة مساءاً للقاء أحمد عز و مني الشاذلي .. عبرت له عن حبي و اعجابي الشديد بالمذيعة مني الشاذلي و انني لم أشاهد تلك الحلقة مع أحمد عز و لكني قرأت عنها في احدى المدونات و ان ما يحدث هو نتيجة حتمية للرأسمالية و الخصخصة ذلك المنهاج المتبع حالياً .. سألني ما معنى مدونة ؟ شرحت له المعني و دور المدونين العظيم و مجهوداتهم المعترف بها دوليا و خصوصا في مجالات حقوق الانسان و المجالات السياسية و انهم اصبحوا مركز صداع و قلق لكثير من السياسات و اعطيته نموذج من تلك المدونات مثل الوعي المصري لوائل عباس و تلك الفديوهات التي دائما يفجر بها قضايا حقوقية ساخنة و كثير من المدونات الأخري .. بالطبع لم أذكر له أي شيء عن مدونتي و لكنه لم يغفل هذا و سألني ان كنت أملك مدونة ؟ ترددت في الاجابة قلت له نعم و سكت ثم قلت اسمها يوميات كريم .

باقي الحديث كان تقليدي عن ماذا سافعل في الاسكندرية و متى ساعود حتى وصلنا فسلمت عليه و غادرت القطار لمقابلة الصديق العزيز ميدو الذي رحب بي بشكل رائع و اشكره على كل مافعله من أجلي .. تمشينا على الكورنيش و تناولنا العشاء في مطعم رائع و جلسنا في احدى الكافتريات القريبة من البحر و ذهبنا الي بئر مسعود .. اعرف تلك العادة التي يفعلها الكثيرون حيث يلقون بقطع النقود المعدنية بعد أن يتمنوا ما يشتهون من الأمنيات .. ذهبت كثيرا قبل هذا الى هذا البئر لكني لم القي إليه بشىء .. ليس بخلاً .. و انما عدم اعتقاد بما يحدث .. شجعني ميدو أن أفعل .. اخرجت حافظة النقود للأسف لم اجد سوي قطعة معدنية ب 10 قروش .. يا لهذا الحظ ..دوما كنت احتفظ بجنيهات معدنية - تلك العملة الجديدة التي احبها .. اقترحت ان ارمي عملة ورقية .. بالطبع لا تصلح .. عموما 10 قروش بقى و خلاص يعني هو بجد .. امسكت بالقطعة المعدنية في يدي و روحت افكر في الأمنية .. ماذا أتمنى ؟ ماذا أتمنى ؟ ذهبت كل الأمنيات و الاحلام ليس هناك غير شىء واحد .. يا لك من قلب عقيم .. حاولت ان ابعد تلك الأمنية التي يلح قلبي في ان اتمناها و انا احاول ان استبدلها بغيرها .. ما المانع ان اتمنى ان اصبح من اغنى الناس .. أي حاجة بقى غير الامنية القلبية .. حتى هنا الصراع و الضعف موجودين هنا .. قال يعني هتحقق .. خلاص خلاص زي ما انت عاوز ايها القلب اللعين .. و تمنيت تلك الامنية السخيفة و القيت العملة .

بعد الساعه الثانية صباحاً اتجهنا إلي محطة القطار للعودة لم نجد سوى قطار عادي او كما يسمي مميز - يا سيدي هي الاسامي بتلزق - دفعت ثمن التذكرة و انتظرنا قدوم القطار المميز بأي شىء لا اعرف .. كان في اعتقادي ان يكون القطار خاليا و انني سأبحث عن مكان يجلس به مجموعة من الناس و لا أجلس في عربة خالية من الركاب .. هكذا نصحني الصديق العزيز ميدو .. و جاء القطار و اذا به ظلام في ظلام و لا شمعة حتى تنور الطريق .. و مفيش و لا كرسي فاضي .. ايوة كده الونس حلو برده .. اكتشفت بقى ان القطار العادي قصدي المميز فيه حجز .. بس مش حجز اللي اعرفه اللي بيبقى مبلغ زيادة فوق التذكرة .. لا ده حجز من نوع اخر .. حجز بالدراع ووضع اليد او الشنطة او حتى كيس زبالة و اوعي وشك بقى و محدش يقدر يتكلم .. و دول صعايدة يا بوي و فتح مخك معايا .

لقيت باب طيب كده و ابن حلال وقفت جنبه في الهوا اشاهد تارة الظلام بالخارج و الظلام بالداخل و اخذت ادنن باغنية معرفش مين بيغنيها :

قوم ولعلك شمعة و امسكها ف ايديك
و ف عيوني دمعة نورها مستنيك

اعتذر اذا كان هناك اخطاء في الاغنية الرائعة المناسبة للجو و المناخ العام المصاحب لعربات الدرجة التانية مميز .. حتى وصلنا محطة مش شفت اسمها صراحة لقيت ناس بتقوم و بينزلوا .. فرحت قوي و جريت على اقرب كرسي .. قصدي 4 كراسي مرة واحدة .. اشكرك يا رب .. جلست و اخدت راحتي ع الاخر .. فرحان فرحان .. و بعدين بقى طلعت الموبيل قولت اعاكس الناس الساعه 5 الصبح .. اشمعنى انا صاحي .. و كمان اتصل بماما اقولها اني في الطريق

اه نسيت اقولكم ان ميدو اتصل بيا و انا واقف بغني قوم ولعلك شمعة .. و شرحتله الموقف اللي انا فيه و بقى قلقان عليا و كل شوية يتصل يطمن عليا و وصلت الحمد لله فرحان بالجو الجميل بتاع الصبح اللي بقالي كتير قوي مش شفته و روحت البيت سعيد و مبسوط و كتبت الكلام ده و هقوم انام بقى .. تصبحوا على خير