" اقتربي منى يا حبيبتي .. فهذا البيت الحريري صنعته من أجلك .. لكِ وحدكِ دون منازع .. سأجعلك أميرة و ربة هذا البيت .. سأحبك حباً لم و لن تجديه مع غيري .. فأنا لست مثل باقي من عشقتيهم ." قال لها تلك الكلمات بنعومة بالغة .
تنساق الفراشة مغيبة الوعى خلفه .. يجرها بخيط رفيع جداً ناعم الملمس و خيط أخر غير مرئي يخرج مع كلماته الساحرة حتى وصلا الإثنان لبيته الحريري .. تلقي نفسها داخل البيت .. يرفرف جناحيها من السعادة .
" أخرجي يا مجنونة .. ماذا تفعلين .. ألا تبصرين أين أنتِ ؟ " هكذا صاحت صديقاتها و لكنها أجابت عليهم " نعم أري البيت الحريري الناعم .. أنه يحبني .. يمطرني بكلمات الحب و العشق التى حُرمت منها . "
يقرب منها يأخذها بين أذرعه الثمانية يلفها بخيوط من حرير .. تزداد فرحتها و يقترب من جسدها تشعر بوخزة طفيفة يتبعها إحساس بالخدر يسري بجسدها .. تتقزز من شكل أذرعه الثمانية .. و لكنها تتغاضى عن هذا .. تغمض عينها عنه محاولة الاستمتاع بما لديها من مشاعر .
تصرخ صديقاتها " ألا تفهمين ما يحدث لك .. إنك مُقيدة .. لستِ حرة .. أنتِ واهمة بالسعادة " تجيب الفراشة " نعم لست قادرة على تحريك زراعي .. أشعر أيضا بلزوجة من حولي و لكن .. و لكنه يحبني ."
يصيح بها العنكبوت " ابتعدي عن هؤلاء الأشرار أنهم حاقدون عليكي يغيرون منك .. إهتمامكِ بهم يُنقص إهتمامكِ بي و أنا لا أريد أن ينشغل عقلك بغيري " تجيب عليه حائرة " إنهم أصدقائي و لو ابتعدت عنهم سأصير وحيدة و ستكون الحياة صعبة "
يقترب منها يضمها إليه يعيد نسج خيوطه حولها " أنتِ أميرتي الوحيدة في بيتي الحريري .. اذا أردتي أن تتحدثي فلتتحدثي معي أنا فأنا كل شيء لكِ و أنت كل شيء لي " تجيب متسائلة " و لكن لديك الكثير من الأصدقاء لماذا إذا تريد أن تجعلني وحيدة ؟ " يجيبها بحدة "أصدقائي ليسوا مثل أصدقائك " و يقترب منها أكثر و تغمض الفراشة عيناها و تشعر بالوخز و لكنها لا تتمرد .. فقط تتلوى بين أذرعه الثمانية .
و تمر الأيام .. و تذبل الفراشة و تصاب بالوهن و الحزن و الإكتئاب و الوحدة القاتلة .. لم يعد هناك أصدقاء لها .. لم يعد هذا البيت الحريري مكان للراحة كما كانت تتخيل في البداية .. أصبح تعامله معها سيء جداً و كثيراُ ما أهانها و جرحها بكلماته و لكنها كانت تصفح و تنسى و تسامح .. و يعيد نسج خيوطه من حولها من جديد .. و لكنها سأمت كل هذا حتى أنها لم تعد تشعر بالسعادة في كل مرة ينسج خيوطه من حولها .. حتى قررت أن تقطع تلك الخيوط الحريرية و تخرج من هذا البيت .. و جدت صعوبة في البداية و لكنها فعلت .
لم تستطع الطيران بعد خروجها من البيت كسابق عهدها .. فقد وهن جناحاها و لم يستطيعا أن يحملاها لتحلق في الهواء .. إكتشفت أنها لم تخرج من هذا البيت سليمة .. بل يملأها الكثير و الكثير من الجروح .. و رغم كل هذا إلا أنها لم تستطع الصمود بعيداً عنه لفترة طويلة .. وجدت الحنين يجرفها مرة ثانية له و لبيته الحريري .. قررت أن تعود مرة ثانية إليه .
من بعيد تمشي نحو البيت الحريري تجر آلامها ووهنها .. ترفع رأسها لتنظر للبيت الذي نامت به شهوراً طويلة .. و كانت المفاجأة التي صدمتها و شلتها عن الحركة حيث وجدت فراشات كثيرة هناك ملفوفات بالحرير نائمات معلقات غائبات عن الوعي مثلما كانت هي هناك .. سابحات في الإحساس الزائف باللذة و النشوة و الخدر .. و وجدته هناك .. يلف إحداهن بأذرعه الثمانية يقص عليها تلك الكلمات التي كان يقولها لها دائماً " اقتربي منى يا حبيبتي .. فهذا البيت الحريري صنعته من أجلك .. لكِ وحدكِ دون منازع .. سأجعلك أميرة و ربة هذا البيت .. سأحبك حباً لم و لن تجديه مع غيري .. فأنا لست مثل باقي من عشقتيهم ."