25 January 2008

قـُبلة .. قصة قصيرة

كتبها : تامر سعيد


في الداخل :

ظلام دامس هنا ، انه اشبه بأعماق المحيطات ، حيث لا تصل شمس ، و لا يمر هواء ، و رغم ذلك فهو رطب جدا ، أنا أشعر بذلك . في المطلق انا اكره الرطوبة ، و لكني اتمناها : هنا و الآن أظن انه وقت التجول بعض الشئ لاستكشاف هذا المكان الجديد ، اغمض عيني - فالمكان مظلم في جميع الأحوال - و سأعتمد فقط على غريزتي الأساسية .

اتحسس الجدران الرطبة جيداً و اتنفس ببطء ، فلو كان هناك كائن ما فلا أود ازعاجه بالتأكيد .

بينما اتجول في المكان اصطدم بجسم آخر ، دافئ ، رطب ، يبدو انه حي .. اجل .. انه يتحرك . جفل مني الى الوراء لحظة ثم عاد مرة أخرى ، يبدو لطيفا ، تعرفت عليه سريعا ، و احتضنني هو برفق و جعل يحكي لي بعض القصص الممتعة . حكى لي كيف انه لم ير الشمس من قبل ، فتعجبت ، فشرح لي ان هذا ممنوع عليه ، لأنه في عرفهم يعتبر من اساءة الأدب ، فأخبرته ان الامر نفسه عندي و ان كان مسموحا لي ان اخرج بعض الشئ وقت التعبير عن الفرح ، فهز كتفيه ، و عدنا للعناق .

كان حديثنا ممتع بحق ، رغم انه كان حديثاً بلا كلمات ، فكلانا غير مسموح له بالكلام هنا و الآن ، و لكن الحوار بيننا تم بالتلامس ، مثلما يحدث مع بعض المصابين بالصمم و فقد الرؤية معا ، و رغم انها كانت الوسيلة الوحيدة ، الا انها كانت امتع وسيلة للتحاور .

جاءني الأمر بالخروج ، و لكني كنت احببت رفيقي هذا جدا ، و عرضت عليه المجيء لزيارتي في بيتي ، فأكد انه سيقوم بذلك في المرة القادمة ، و لكني اخبرته اني اريد منه ان يزورني الان ، أمسكت به بقوة ، و اصررت على اصطحابه معي ، لا اطيق فراقه . اطاعني اول مرة ، و دخلنا بيتي ، و لكني واصلت سحبه الى الداخل ، أريده معي دوما ، أحببته ، هل هذه أنانية ؟؟ فجأة بدأت قوة ما تجذبه الى الخلف ، قال انه سعيد بالتعرف إلي و انه يتمنى ان نكثر من تبادل الزيارات ، قلت له : انتظر ، قال : ليس الأمر بيدي ، قلت : تمرد ، قال : أموت . أمسكت به جيدا ، و قاومت هذه القوة المقابلة ، و لكنه انزلق مني الى الخارج ، فابتسم هو و قال : الى اللقاء .

في الخارج :

صوت قبلة ، و تباعد شفتين عن بعضهما ، يداعبني كريم بقرصة خفيفة في جانبي و يحذرني مبتسما : ماتشدش لساني جامد كده ، اقول له معتذراً : معلش ، و نواصل العمل في صمت .