03 September 2008

قاعد مستنيك .. قصة قصيرة

استقل العربة عائداً لبيته .. جلس في المقعد الأخير كالعادة بجوار الشباك .. كان ذلك بعدما خرج مع أحد الأصدقاء لشراء بعد الأشياء لهذا الصديق . يشعر بالضيق و الأختناق من ارتفاع درجة الحرارة فما زالت العربة واقفة لم تتحرك منتظرة امتلاؤها بالركاب .. لم يعبأ بالضجيج المحيط به و لكنه بدأ في اغلاق عينيه و استنشاق أكبر قدر من الهواء الذي بدأ يهب مخترقاً الشباك ومن ثم بدأ في استعادة توازنه و هدوءه نتيجة استنشاق الهواء البارد الذي خفف من درجة الحرارة .

أخذ يتامل البشر من حوله ، من بين الواقفين في ممر العربة كان هناك شاب يرتدي قميص بأكمام به خطوط طولية و بنطلون جينز و كاب ، يتمتع الشاب ببناء جسدي جيد ، لم ينجذب للشاب جسدياً ولكنه فقط كان يتأمله . لم يستمر في تأمله كثيراً حيث اتجه بنظره في اتجاه أخر بعيد عن الشاب و بدأ يتذكر منذ قليل حينما دخل و صديقه احدى محلات الملابس و التي اعجب صديقه بقميص معروض لا يوجد منه في المحل غير تلك القطعة التي يرتديها المانيكان الواقف في مدخل المحل .. قام البائع بتعريه المانيكان و خلع القميص عنه و اعطاه للصديق الذي دخل حجرة البروفة ليجرب القميص .

وقف هو هناك في مواجهة المانيكان النصف عاري .. يتأمل التمثال .. اعجبه دقة تفاصيل جسد هذا المانيكان ، تمنى ان يمد يده ليلمس تلك العظمتين البارزتين اسفل الرقبة و اعلى القفص الصدري ، تمني ان يلمس عضلات صدر هذا التمثال ليس شهوة و انما ليكتشف الفرق بينها و بين اجساد البشر الأحياء .. لكنه لم يفعل .. تذكر تلك القصيدة التي كتبها في الماضي عندما احب شخص ما و لكنه كان يخشي الإعتراف له بالحب لذلك كتب له تلك الكلمات :

" أتمنى ان اصنع لك تمثالاً
لا اخشى منه الرفض
لا أنشد منه إلا الحب .

أتمنى ان اصنع لك تمثالاً
او ان اصبح فارس احلامك
لا اخشى منك الرفض
لا انشد منك إلا الحب . "

تذكر تلك الأبيات و بدأ يفكر .. في الماضي كان يريد التمثال لانه يخشي الواقع و لكنه الآن يتمنى التمثال لانه كره الواقع .. هل حقاً يستطيع ان يعشق تمثال ؟ سؤال راود عقله . و لكن ما المانع ما دام هذا التمثال لن يكذب عليه .. لن يخدعه .. لن يهجره .. لن يرفضه .. ما هذا ؟ هل أصابه الجنون ؟ قاطع تفكيره صوت صديقه الذي خرج من البروفة مرتدياً القميص قائلا له :

- أيه رأيك يا كريم ؟

يصل الهواء محملاً برائحة دخان شيشة التفاح ، يستنشق الهواء البارد المعطر برائحة الشيشة مستمتعاً .. كم يحب تلك الرائحة .. فقط الرائحة لأنه لا يشرب الشيشة و لا أي نوع من الدخان .. تنطلق ذكرى اخرى في عقله .. من يومين حينما ذهب إلي الكافتريا لمقابلة شخص ما تعرف عليه من خلال النت ، كان هذا الشخص يتحدث معه كثيرا على التشات ، و كان يسمعه أحلى كلمات الحب و العشق مثل " انني خلقت فقط لأسعدك .. أنا مستحيل ابعد عنك .. انا اتخلقت علشان اكون جنبك " إلى اخر تلك الكلمات . طلب منه كريم التوقف عن التعبير عن مشاعره تلك حتى يتقابلا في الواقع لانه ليس هناك حب قبل اللقاء في الواقع و لكن الطرف الأخر قال انه لا يهمه شكله و كل ما يهمه تلك الروح التي عشقها .

بعد نهاية اللقاء و عودة كل منهما إلي بيته ثم اللقاء على التشات مرة اخرى قال هذا الشخص له انه لن يستطيع ان يحبه لان كريم مازال يعشق حبيبه السابق و انه هكذا سوف يظلمه معه ، ضحك كريم لهذا الكلام ، و تذكر ان هذا الشخص قال له سابقاً ان ذكريات الماضي لا تضايقه لانها جزء منه .. فهم كريم ان هذا الشخص لم يُعجب بشكله و لكنه كان في حيرة .. ما الذي يدفع انسان ان يقول كلمات حب لا يشعر بها او ان يعطي وعوداً لا يكون قادر على الوفاء بها ، أليس من الأسهل ان يصمت الانسان ان لم يكن هناك مشاعر داخله ، أو أن يكون صريحاً .. لا احد يجبر انسان أخر على اطلاق كلمات حب غير نابعة من القلب .. و لكنه تذكر ان هذا الشخص قال له اثناء حوارهم في الكافتريا انه كان من هواة الجنس الهاتفي .. لهذا لم يستمر كريم كثيراً في حيرته حيث ان كل تلك الكلمات التي قيلت له هي مجرد كلمات .. شىء عادي يقال في كل مكالمة جنسية يجريها هذا الأخر .. عادي .

يدرك كريم جيداً انه ليس من ذوي الأشكال الفاتنة و لا يتمتع بكثير من مظاهر الجمال و لكنه في النهاية انسان يستطيع ان يحب و يتمنى ان يُحب . و أن الجمال الخارجي ليس كل شيء و لا يدوم طويلاً . و يعرف انه يتمتع بالقبول من الأخرين و لديه القدرة على جذب حب الأخرين و يعتقد انها هبة من الله .. أوقات كثيرة يكره كريم شكله و يتمنى أن يكون جميلاً مثل فلان أو فلان و لكن يعود فيقتنع أن كل انسان يحمل داخله مواطن جمال تختلف من انسان لأخر .

ينتبه كريم و ينهض للنزول من العربه حيث محطة نزوله ، يغادر العربة متجهاً نحو بيته يشعر بمشاعر لا يعرف هل هي حزن ، ألم ، يأس ام كل تلك المشاعر معاً .. يصل كريم إلي الشارع الذي يقع به بيته ، من بعيد يرى طفله الصغير يجري نحوه حيث كان يجلس على درجات السلم أمام البيت .. حينما رأى كريم نهض يجري تجاهه ، تلقفه في حضنه و قبله و سأله:

- انت قاعد هنا كده ليه ؟

فقال له الطفل فرحاً :

- كلهم ناموا و أنا قاعد مستنيك .

حضنه كريم مرة ثانية ودخل البيت حاملاً طفله و هو فرحاً شاعراً بالسعادة التي محت كل الهموم و المشاعر الأخرى التي كانت داخله منذ قليل . فما زال هناك من يحبه كما هو .


11 comments:

Unknown said...

ربنا يسعدك يا كريم
ورمضان كريم
وبجد الاطفال حباهم الله قدره على خلق السعاده
بالفعل هم احباب الله

Anonymous said...

عزيزي كريم
احيانا يهجم عليك الماضي ليدخلك في طلم من جديد وكل ما تحتاجه عندها ضوء الحاضر يذكرك بالامل والحب

عزيزي تقبل مروري المتواضع
مع كل الحب
Hades

أحمد منتصر said...

رمضان كريم يا كيمو ومتاخدش ف بالك يا جميل

:)

Billy Elliot said...

فعلا احلى حاجة تلاقى حد يحبك زى ماانت بكل عيوبك و مشاكلك

بس مفيش دلوقت حد بيحب حد من غير مايهتم باشكل اسالنى انا

رمضان كريم على الكل ويارب المشاكل تنتهى من عند كل البشر مع ان دة مستحيل

Shams Al-Ma7aba said...

انت انسان جميل اوي يا كريم

شفاف واضح وصريح ومشاعرك هادية ودافئة

"أ"

Anonymous said...

من احلى القصص اللي قرائتها لك
على فكرة انا لولا اني مشغول و عندي ضغوط في حياتي كنت طلبت من حضرتك اني اتعرف عليك انا على فكرة بكالوريوس كمبيوتر و مصمم صفحات نت و متأثر جدا بالاحساس اللي ديما يملاني لما ادخل الموقع بتاعك مش حقولك غير كلمة واحدة محتاجلك يا كريم انا قدك في السن بس يا رب اكون قدك في الاحساس استناني يا كريم اول ما افوق من اللي انا في و يكون لية عندك وقت حعرفك بية حنلاقي باذن الله حجات كتير يهمني و يهمك اننا نلاقي حد يشاركنا فيها بس للاسف حظنا قليل

Anonymous said...

kouki
leih kda u touch my heart and after reading this story i was thinking that we will continue till we will love statues or just stay dreamers......????
i want to hv a hope and u too sweetty
be strong our lovers are here and wating us .
mis u
dalia - rime

kareem azmy said...

اهلا ماجد
نعم الأطفال هم رمز البراءة في الدنيا

********

عزيزي hades

نعم ربما الحاضر يكون له نور يضىء الماضي
ادعوا الله ان ينير قلوب كل المستضعفين في الأرض

**********

احمد منتصر
او مونتي الجميل
مش واخد في بالي بس اعمل ايه بقى

*******

عمر
نورت المدونة
و أنا مش متزوج

******

billy elliot
فعلا لازم نلاقي حد يحبنا زي ما احنا بمميزاتنا و عيوبنا

رمضان كريم

*******

for love
أ""""
صدقني مبقتش عارف الصفات اللي انت قلتها فيا دي تعتبر مميزات و لا عيوب

اصل الزمان ده زمن مقلوب

********

الصديق المجهول
متشكر على كلماتك و رغبتك في التعرف بيّ
تمنياتي لك بالتوفيق في حياتك

*******

صديقتي الغالية داليا
متشكر ليكي
و طبعا بتمني اننا مش نكون عشاق تماثيل و لا دريمرز زي ما قلتي

و اتمني ان الأمل يكون موجود

Anonymous said...

انت تعرف يا كريم ان تامر في مدونته افترى على الدين لما قال ان الغرب من حقه يهاجمنا مادومنا مؤمنين بايات هو يفهمها على غير ما نفهم فقد اعمي الله بصيرته عن التفسير السليم لمراد الله بهذه الايات و حبسه في فئة الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء اللي مستغربله ازاي قدر يكسب حبك مظنش يا كريم ان قلب بالسواد دة يطلع منه شىء يتحب اظنك مخدوع فيه او اوقلك ممكن يكون اعجاب مش حب هو اللي شدك ليه و شتان بين الاعجاب و الحب و بسألك و مستني منك رد انت لسة بتحبه رغم الكلام اللي قاله و اللي اتمنى انك تقراه في مدونته تحت عنوان اساءة ادب ام توضيح بادب علشان تعرف انه مش بس مش فاهم لأ كنت اعزرة و احبه بس هو بيبجح بفهمه و فاكر انه وصل خلاص للفهم المطلق و هو دة اللي زعلني منه جدا و كنت بحبه من كلامك عنه دلوقت بعد ما قريت له الكلام دة ما فيش كلام تاني يتقال

ابن النهر والجبل said...

كلامك رائع يا كريم وبتوصف الحدثبشكل روائي فظيع
لو كان سني اكبر شويه صغيرين يمكن كنت قدرت اطلب منك انك تقابلني كصديق
علي العموم ان شاء الله دايما منوره بصيرتك وصدقني ما فيه شي بهالحياه يستاهل انك تزعل لاجله
انا زمان كان حلم حياتي ان يكونلي رفيق يسمعني ويحاكيني ويسال عليا ويهتم فيا مثل ما انا حابب بس بعدكم تجربه اتضح اني انا اوفيصديق لنفسي واقلهم قسوه عليا

Anonymous said...

بص يا جميل حقولك حاجة انت عارف لما الواحد يحب الشوكلاتة و ياكل منها كتير تقوم نفسه تجزع يعني يحب يحدق بعدها في ناس كدة انا منهم و تامر ممكن يكون منهم و محبش انك تكون حلو معاه علطول النفس البشرية معقدة يا كريم فوق ما نتصور حلها ببساطة انك تحط نفسك مكان تامر و تحاول تحمل نفسك على مراده مش مرادك و تقنع نفسك انك مش مهم عنده و تحسسه انك عارف انك مش مهم عنده سعتها حيحبك بس انت سعتها مش حتكون مبسوط يبقي النتيجة هي ببساطة انه ميستهلكش يبقى البعد في الحالة دي اسلم شيء

Post a Comment

اشكرك على إهتمامك وتعليقك .. والإختلاف في وجهات النظر شئ مقبولة ما دام بشكل محترم ومتحضر .. واعلم أن تعليقك يعبر عنك وعن شخصيتك .. فكل إناء بما فيه ينضح .